“نحو تربية مؤنسنة في عصر الرقمنة: رجاء للحاضر ورؤية للمستقبل”، عنوان المؤتمر السنوي الحادي والثلاثين للمدارس الكاثوليكية في لبنان، المنعقد في مدرسة سيدة اللويزة، زوق مصبح، يومي الثلاثاء والأربعاء في 2 و3 أيلول 2025، برعاية وحضور البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، رئيس مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، البطريرك روفائيل بيدروس الحادي والعشرون ميناسيان، كاثوليكوس بطريرك بيت كيليكيا للأرمن الكاثوليك، السفير البابوي المونسنيور باولو بورجيا، المطران حنا رحمة، رئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية وأعضاء اللجنة الأسقفية، المطارنة: بولس روحانا، ميشال عون، الياس نصار، وكريكور باديشاه، نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب، وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة ريما كرامي، وزير الثقافة غسان سلامة ، وزيرالمهجرين وشؤون التكنولوجيا كمال شحاده، النائب أنطوان حبشي وممثل النائب ادغار طرابلس النقيب السابق رودولف عبود، السفير الفرنسي Hervé Magro، الرؤساء العامين والرؤساء الإقليميين والرئيسات العامات والرئيسات الإقليميات، المدراء العامين ومدير صندوق التعويضات، والمسؤولين القضائيين، ممثل قائد الجيش العميد الركن ادغار شهوان، ممثل مدير عام قوى الأمن الداخلي العميد جوزف مسلم وممثل مدير عام الأمن العام العقيد شادي حنا، رئيس الرابطة المارونية الأستاذ مارون الحلو، رئيس المجلس الاقتصادي شارل عربيد، رئيس بلدية زوق مصبح ايلي صابر، رؤساء الجامعات: بسام بدران، سليم الدكاش، بشاره الخوري، نقيب المحامين في بيروت فادي المصري، نقيب المعلمين في المدراس الخاصة نعمه محفوض، M. Louis-Marie Piron, Secrétaire Général de l’Enseignement Catholique en Europe، ممثل السفارة الهنغارية السيد ساندور بالينت، ممثلي الجهات المانحة، ممثلي اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة ونقابات المدارس الخاصة، مديرات ومديري المدارس والهيئات التعليمية، هيئات الأمانة العامة، اتحادات لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية، اتحاد روابط المعلمين في المدارس الكاثوليكيّة.
بعد الكلمة الترحيبية من الأب حنا الطيار رئيس مدرسة سيدة اللويزة، استهل اليوم الأول بصلاة البداية على شكل احتفالية موسيقية تعبيرية من أداء متعلمين من مدرسة الفرير مون لاسال، تلتها الجلسة الافتتاحية التي تولى فيها الإعلامي ماريو عبود تقديم المتكلمين، فتساءل الأب يوسف نصر الأمين العام للمدارس الكاثوليكية في لبنان عن كيفية تربية الإنسان في عصر تقلصت فيه المسافات مع تزايد التباعد بين الناس، وكيفية صون كرامة مهنة التعليم وسط عالم يتجه بسرعة نحو الفردانية والتفلت الأخلاقي”.
واعتبر “أن عنوان المؤتمر جاء كخيار استراتيجي واضح نريد أن تسلكه التربية الكاثوليكية، نحو بناء مدرسة ترى في التكنولوجيا أداة لا هدفا، وفي التربية توازنا بين العقل والقلب، وتكاملا بين الإيمان والمعرفة”.
وفي ظل الأخطار التي تهدد نوعية التربية وإمكانية توفيرها للجميع، رأى الأب نصر “أن الأمور لن تستقيم ما لم تصدر سلسلة رتب ورواتب تعيد الاستقرار والتوازن الى القطاع التربويّ، واستعادة مكانة هذه المهنة عبر إعداد معلّمٍ كفوءٍ، قادرٍ ومتمتّعٍ بكافة الحقوق التي أقرّها له القانون، منوهًا بلجنة الأخلاقيّات لتنشئة كوادر ترافق مؤسساتنا التربوية، وتساعدها على استباق التحديات واقتراح الحلول الملائمة”.
ودعا نصر، الى “تعامل واع ومسؤول مع موضوع الذكاء الاصطناعي، لتوظيف منافعه الجمة في خدمة التربية. وإذ ذكر برؤية الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكيّة 2030: مدرسة دامجة، رقمية، وخضراء”، مشددا على “تحديث القوانين والإسراع في إصدار المناهج الجديدة وإيلاء أهمية خاصة للصحة النفسية كما ملئ المراكز الشاغرة في وزارة التربية وتشكيل المجالس التحكيمية”.
ولفت الى ان “التضامن والتشارك هو الضمانة الوحيدة للاستمرارية، تضامن قوامه الشفافية من المؤسسات، والتعاون من الأهل والواقعية من المعلمين”.
ورأى رئيس اللجنة الأسقفية للمدارس المطران حنا رحمه، “أن التكنولوجيا تملك في طياتها إمكانات عظيمة، إنها بركة “اقتصاد الوقت”، وتشكل مناسبة إلى افتداء الزمنِ، بحيث يمكننا أن نعيد توجيهه نحو اللقاءات الإنسانية الأصيلة عوضا عن استهلاكه في التشتت أو الانغماس في العالم الافتراضي”، وقال :” من هنا ضرورة تأهيل المعلمين لدمج الوسائل الرقمية في التعليم، وإطلاق منصات تربوية كاثوليكية تشاركية، وتعليم التلاميذ الوعي الرقمي”.
وختم بالدعوة بالدعوة إلى مسيرة تربوية جديدة، متجذرة في الإنجيلِ، منفتحة على العصر، مؤمنة بقدرة النعمة على تحويل الواقع”.
واعتبرت وزيرة التربية والتعليم العالي الدكتورة ريما كرامي في كلمتها أننا “دخلنا زمن التحول التربوي الشامل الذي يقتضي مواجهته بحكمة وشجاعة”، معددة مجالات أساسية للتطوير كالتميز ورفاه الطالب وإرساء قيادة تربوية تشاركية مع بنية تحتية رقمية عادلة.
ولفتت إلى “ضرورة تغيير مقاربتنا للتربية بحيث يتسنى لطلابنا أن يعيشوا معنى المواطنة، القيادة، والتعلّم الخلّاق وهم بعدُ على مقاعد الدراسة. وعليه، ثمّة التزامات واضحة كإعداد مواطنين قادرين وأخلاقيين وجعل المعلّمين والأهالي والطلاب شركاء حقيقيين وبناء ثقافة مساءلة وشفافية والسعي إلى تمويل استثماري يحمي من التبعية. وختمت بالدعوة إلى تجديد الشراكة بين الوزارة والمدارس الخاصة، تحت مظلة رؤية الدولة الجامعة ومعاييرها، حتى نرسّخ معاً مفهوم المواطنية القائم على اللحمة والتضامن”.
ونقل السفير البابوي في لبنان المونسنيور باولو بورجيا إلى الحاضرين تحيات البابا لاوون الرابع عشر وبركته الرسولية، مشيرا إلى “التحديات الرقمية التي طالما تناولها الأب الأقدس في لقاءاته من زاوية إحداثها تحولا ثقافيا سواء في علاقاتنا مع ذاتنا أو الآخرين وحتى مع الله”.
ورأى “أن سرعة الوصول إلى المعلومات ومعالجتها تثير ومخاوف وتساؤلات جدية إن لم تكن مسترشدة بالمبادئ والقيم بحيث يتمّ التمييز بين ما هو صالح ومفيد، إلى جانب التفكير النقديّ الواجب إعماله للتذكير بمحوريّة الشخص البشري كما سائر المبادئ الأساسية كالخير العام والسلام والمحبّة، داعيًا أن يكون المؤتمر مناسبة للنمو الشخصيّ والمؤسساتي”.
واختتمت الجلسة الافتتاحية بمداخلة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الذي أكد أن “التكنولوجيا الرقمية هي من ثمار هذا العقل المبدع الذي يفتح أمامنا أبواب المعرفة، لكنها أيضًا تحمل إلينا مخاطر الانعزال الاجتماعي وتحويل الإنسان إلى مستهلك للمعلومة بدل أن يكون منتجًا ومبدعًا لها. من هنا على مدارسنا الكاثوليكية أن نُعدَّ الأجيال الجديدة لا لتكون ضحية التكنولوجيا، بل سيّدة لها؛ إذ إنّ هذا البعد الروحي والليتورجي هو الذي يمنح الرقمنة معناها الصحيح، ويجعلها أداة سلام وتواصل وبناء على الصعيد الوطني. وفي العصر الرقميّ يزداد دورنا في تثبيت الجذور الثقافية والوطنية في قلوب أبنائنا، ليكونوا مواطنين ملتزمين وفاعلين في وطنهم”.
وبعد الاستراحة، استكملت أعمال اليوم الأول بجلسة عامّة عنوانها:”التربية في عصر التحولات: بين الواقع والتطلّعات”، يسّرت أعمالها الدكتورة نيكول صليبا شلهوب، أستاذة جامعية في التحليل النفسي التطبيقي من جامعة الروح القدس، الكسليك (USEK).
في المداخلة الأولى “التربية في مواجهة التحديات المعاصرة” اعتبرت الدكتورة ريما كرامي، وزيرة التربية والتعليم العالي أنّ التربية الحالية تواجه تحديات كبرى منها: تسارع التغيرات الاجتماعية، والتحولات التكنولوجية، والتطلعات الاجتماعية الجديدة. فسلطّت في مداخلتها الضوء على التنازع بين احتياجات المتعلمين وحدود النظام التعليمي، مثل المناهج القديمة، والأساليب غير الملائمة، أو عدم المساواة في الحصول على التعليم الجيّد. واقترحت التفكير في المستقبل انطلاقًا من عناصر القوّة الموجودة (التزام المعلمين، الابتكارات التربوية) واستكشاف تأثير الرقمنة على الممارسات التعليمية، كالتعليم عن بعد، الأدوات التعاونية والفصول المقلوبة. ولم تكتف في نهاية مداخلتها بإثارة التسؤلات حول المخاطر التي تفرضها التكنولوجيا كالمعلومات المضللة، وتراجع ثقافة الجهد والمثابرة، بل أبرزت أيضًا بعضًا من فرصها كتطوير المهارات، وسرعة الوصول إلى المعلومات.
في المداخلة الثانية “إرساء دعائم للاسترشاد: نقاط مرجعيّة في عالم تائه” أشار الدكتور غسان سلامة، وزير الثقافة إلى أنه في عالم متحول باستمرار، يتميز بالتنوع الثقافي واختفاء المعالم التقليدية، يواجه المتعلم تساؤلات عميقة حول الهويّة. فاستكشفت مداخلته آثار اختلاط الثقافات والتعرض الرقمي على بناء الذات، كما كشفت عن التحديات التربوية المرتبطة بهذه التعقيدات. فأكّد أهمية تنشئة المتعلّم على مبادئ إنسانية أساسية كالاحترام، والمسؤولية، والنزاهة، وانفتاح العقل… معتبرًاهذه المعالم ضرورية لتمكين المتعلم من بناء نفسه بشكل متماسك، وتطوير وعي اجتماعي منفتح على التنوع، والمشاركة في العالم بطريقة واضحة ومسؤولة.
بعد ذلك، قدّمت الدكتورة كاتيا إليان الأستاذة المساعدة في الألسنية في الجامعة اللبنانية، عرضًا موجزًا لفعاليّات اليوم الثاني من المؤتمر ومحاوره والمشاركين فيه، ومن ثمّ صلاة الختام والانصراف عند الواحدة والربع.
