محاضرة لأخوية مارشربل في رعية مار شربل – الفنار

ألقيت محاضرة لأخوية مار شربل في رعية مار شربل الفنار، وذلك بمشاركة عدد من الوجوه الثقافية، الأدبية والاجتماعية.

 

الايمان والعمل: الشهادة بالعمل

يشكل العمل والإيمان قاعدتين رئيسيتين في حياة الانسان. فالإايمان الصحيح ينيرطريق الإنسان بالحكمة والمحبة وروح البذل والعطاء والأمانة والإخلاص. أما العمل فيشكل أحد المعايير الأساسية التي يعتمدها لإنسان لتقييم مدى نجاحه في الحياه متناسيا أحيانا كثيرة البعد الإيماني والخلاصي لحياته , ورب من تألم حتى الموت بسبب فقدان الوظيفة أو مركز سياسي او ثروة او مركز إجتماعي , يلعب المجتمع دورا سلبيا في هذا المجال, فهذاالأخير يقيم الأنسان بالمستوى الأجتماعي والمالي والوظيفي الذي بلغه, غالبا ما يتذكر المرء الله عند نهاية حياته او عند بلوغ سن التقاعد بعد أن يتخلى عنه الناس والمارقين الذين كانو يدورون في فلكه بعد أن فقد السلطة ولم يعد قادرا على طلباتهم  وجشعهم.

إن الحل لهذه المعضلة، حيث مرتا تتغلب على شقيقتها بالرغم من النوايا الحسنة، يكون بالحفاظ على جذوة الديانة مضاءة ومشعة. ولكن كيف يساعد الأيمان على تقديس العمل بحيث يصبح صافيا كالذهب وفاعلا في الإنسان وفي المجتمع، إن الأيمان يوجه البوصلة التي تسمح لنا بالسير بالضوء وكذلك البعد الوجودي الذي يسمح للأنسان بالتعالي عن الصغائر والأنانية الشرسة والأفق المحدود. فالإيمان بالمسيح يعطي:

1-  البعد الوجودي الذي يسمح بالتعالي عن الأمور الصغيرة المضرة التي تسمم أجواء العمل فالله هو غاية الوجود ونحن نعمل في كرمه ولمجده لأنه ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان, وهنا يستحضرني مثل ذلك المجنون الذي تقول عنه الأناجيل : أنه جمع الخيرات  الكثيرة قائلا في نفسه: اطمئني يا نفسي فلقد جمعت من الغلال ما يكفي من الثروات التي تسمح لي بالتنعم بالحياة لسنين طويلة, وإذا به يفارق هذه الفانية في الليلة ذاتها تاركا ما غلى ثمنه وخف حمله, فهذا البعد الروحي الشمولي يسمح للإنسان بحماية نفسه من التدمير من شدة العمل والإنصراف فقط للعمل متناسيا عائلته وأهله وربه.

2- تقديس العمل على قاعدة حياة الصلاة والعمل “فولهونو”، “ايمونوتو” وهذا يؤدي الى القيام بالعمل بجدية وأمانة مهما كان وضيعا أو صغيرا وعدم الإكتفاء بمبداء لكل عمل اجر، فالعمل بمحبة يغني الجانب الحقوقي والتنظيمي. تحاكي هذه القداسة البيئة التي نعيش فيها حاليا في وطننا المعذب الذي يعاني من عائد العمل القليل بالنسبة الى ظروف وكلفة الحياة بحيث إن كلفة مستوى العمل قد تدنى كثيرا على قاعدة أعمل بقدر الراتب الذي أحصل عليه، بالنهاية “هل وقفت علي”؟ نعم وقفت على وعلى كل واحد منا. فمن شأن ذلك إعلاء امور المجتمع والحفاظ على الشعب.

الوقاية من الفساد:

1- إن الإيمان يسمح بالوقاية من الفساد والرشوة ومن العمل الذي يضر بالمجتمع ويجلب الأمراض والفقر والموت لأن الإيمان يعطي قوة نفسية وثبات يسمح بتخطي لعنة وخطر المال.

2- الغيرة على العمل حيث إن الإنسان يعمل وكأنه يعمل لنفسه اوكأنه مالك المؤسسة او المنظمة التي يعمل فيها ومن شأن ذلك أن يسمح له بالإنتباه الى زملائه بالعمل فينظر إليهم بنظرة محبة وليس بنظرة تنافس وعداوة على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة.

3- العمل كرسالة مما يسمح بخدمة الناس وخدمة الله من خلال استغلال الوزنات والنعم التي منحها لكل إنسان. إن هذا البعد الرسولي يسمح بطرح الأسئلة التالية:

 

ماذا يعني النجاح الوظيفي والمهني؟

كيف يمكن قياس هذا النجاح؟

ما هو البعد القيمي للنجاح؟

الحوافز التي تحضني للعمل من أجل النجاح المهني؟

من هو مثالي الأعلى في ميدان العمل؟

 

العمل بصمت وليس بالكلام:

إن العمل بصمت وجدية وقداسة يجعل من الإنسان مثالا صالحا يحتذى به ويولد الكثير من الدعوات للعمل بجدية وأمانة وإخلاص وهذا العمل الصامت يتميز او يترافق بما يلي:

-القيادة بالمثل الصالح وبمعاملة المستخدمين برفق وعدالة والكرم مع العمال.

-العمل بفرح وليس بتشنج وطلب أكبر ربح ممكن وبأي ثمن.

-مساعدة العاملين على إعتماد ومفهوم قيمي صالح ينطلق من واقعهم وحياتهم.

ممارسة الخدمة وليس التسلط أو التأمر على زملاء العمل.

-إعطاء وقتا للصلاة وللرب في خضم اتون العمل وتحدياته وصعوبته.

– العيش بالحقيقة وليس بالصورة الزائفة او المصطنعة والأمانة للقيم السامية التي نؤمن بها.

– الإيمان هو طريق النجاح لأن هذة القيم السامية تزيد من صلابة إنتاجية الإنسان ومن جهة أخرى فإن يد الله تبارك الإنسان وتنعم عليه وترافقه وتنير دربه. واليوم نحن في لبنان نعاني من تحديات ايمانية ومعيشية ومهنية كبيرة فالرواتب والأجور إنهارت بشكل مفجع، فأصبحت معظم الأسر تعجز عن تغطية نفقات المعيشة الأساسية فأضحى هناك تنافس على الموارد الشحيحة والتقاتل عليها من قاعدة إن القلة تولد النقار، لذلك من الواجب إستلهام الإيمان بالله والسير بعكس التيار من خلال الشهادة بالعمل وهذا يساهم في زيادة الإنتاجية وتحسين نوعيتها وإعطاء المثل الصالح للأجيال الجديدة التي نحن مؤتمنون عليها.

– التعامل مع الأخرين بإحترام لأن ذلك يجلب التقدير ويزيد من انتاجية الأفراد من خلال تحفيزهم على العمل والإنتاجية

يحضرني في هذا الإطار السؤال التالي:

هل يجب المجاهرة بالإيمان من خلال التبشير في العمل؟

لا أعتقد ذلك، لأن القيادة في هذه الإيام – أين نحن من قادة هذا الزمان؟ تكون بالمثل الصالح وليس بالكلمات الرنانة خاصة إذا كان المردد لا يعيش إيمانه بل يتصرف على غرار الفريسيين.

أما الخطر الأخر هو فيتمثل بدفع الناس بعيدا عن الإيمان بسبب المثل الفاسد وهذا ما يدفع بعضهم الى الإلحاد.

والخلاصة إن القائد يجب أن يتميز بالخصائص التالية على ضوء إيمانه:

 

-الإيمان كمصدر إلهام للعمل

-القيادة بالمثل الصالح

-إدخال البعد الإيجابي الى محيط العمل

-خدمة الأخرين

-إعتماد قيم النزاهة وآداب المهنة

-الصلاة والتماس الالهام من الله.

-الارتقاء المستمر في الإيمان حتى القداسة

-العمل بمهنية على ضوء القيم المسيحية وعدم الإكتفاء بالوعظ أو الشعارات الفارغة.

 

البروفسور جورج لبكي

باحث وكاتب ومُفكر وأستاذ جامعي.

اترك تعليقاً