احتفلت جامعة القديس يوسف في مرور 120 سنة على تأسيس معهد الآداب الشرقية الذي كان يعرف بالكلية الشرقية، وذلك في قاعة ليلى تركي في المعهد، في حضور وزير التربية في حكومة تصريف الاعمال عباس الحلبي، النائب عدنان طرابلسي، العقيد فؤاد الزغبي ممثلا قائد الجيش العماد جوزيف عون، النقيب اوليفر الحمصي ممثلا مدير عام امن الدولة اللواء طوني صليبا، الرئيس الاقليمي للرهبنة اليسوعية الاب مايكل زميط، رئيس الجامعة البروفسور سليم دكاش اليسوعي، مدير المعهد البروفسور طوني القهوجي وشخصيات اكاديمية وطلاب.
النشيد الوطني ونشيد الجامعة، والقى مدير المعهد كلمة قال فيها: “يتبدى للناظر في تاريخ الشرق الأدنى الدور الذي أدته الرهبنة اليسوعية في تشكيل هويته الثقافية والفكرية والاجتماعية والدينية. صحيح أن فتح مدرسة إكليريكية، في القرن الثامن عشر، عد الإنجاز العظيم عند اليسوعيين، إلا أن ذلك الإنجاز سبقه، وتبعه أيضا، افتتاح مدارس أوحت بمفهوم التعليم في المشرق وبمضمونه، فتخصص الآباء اليسوعيون بالتربية منذ العام 1630”.
أضاف: “مزج اليسوعيون التعليم بغاياتهم التبشيرية، واستغلوا الفرص المتاحة لنقل الثقافة والفكر؛ واللافت أن المرسلين اليسوعيين في الشرق لم يكتفوا فقط بنقل معارفهم وتراثهم وتعاليمهم، إنما سعوا إلى الاكتناز من الثقافة الشرقية، وتحديدا العربية منها. إذا هكذا كان اللقاء… اللقاء الفعلي الأول الذي جمع اليسوعيين بالفكر الشرقي… لقاء أوجد “بالقوة” فلسفيا “معهد الآداب الشرقية” منذ بدايات القرن السادس عشر، معهدنا الذي نحتفل بالذكرى المائة والعشرين لتأسيسه بـ”الفعل”، لانتقاله من التجربة إلى الثبات والدوام والاستمرارية. لا شك في أن معهد الآداب الشرقية جزء لا يتجزأ من تاريخ الرهبنة اليسوعية وتاريخ جامعة القديس يوسف. فلقد حمل منذ أكثر من قرن لواء النهضة العربية وسار به وسط تحديات كثيرة، مخرجا أجيالا من أصحاب الاختصاص فتبوأوا مراكز رفيعة، وسطعوا بفضل كفاءتهم في لبنان والعالم العربي، متجاوزين الحدود الجغرافية ليلمح بريقهم في العالم أجمع”.
وتابع: “يحتفل معهد الآداب الشرقية هذا العام بالذكرى المئة والعشرين لتأسيسه. فجذوره التي تعود إلى الكلية الشرقية التي أسسها الآباء اليسوعيون في العام 1902، تواقة أبدا إلى التقدم والتجديد، مع مراعاة الماضي والحاضر بالانفتاح الدائم على حضارة الشرق والغرب، وتعبيد مساحات تقارب لمختلف الأوساط والتوجهات. كان اختيار التأسيس أمرا ضروريا وأساسيا: فقد كان له الأثر ولا يزال على رسالة جامعة القديس يوسف في بيروت. وهذا ما عبر عنه الأب رينيه شاموسي في قوله، إن معهد الآداب الشرقية هو “أساس جامعة القديس يوسف”. لم يأت هذا القول في سياق التبجح، بل ليعبر عن فلسفة الآباء اليسوعيين في بداية القرن العشرين المؤمنة باستحالة بناء أي مدماك في مجال التعليم العالي من دون الانكباب على دراسة ثقافة المنطقة التي يتجذرون فيها. يستمر المعهد في تأدية رسالته، بإعداد أساتذة متخصصين ونقاد وباحثين في اللغة العربية وآدابها، والفلسفة، والحضارة العربية، والدراسات الإسلامية، وتاريخ البلاد العربية. وهو لا يألو جهدا في دعم النشاط العلمي، سواء من خلال تعزيز البحث العلمي ضمن مركز لويس بوزيه لدراسة الحضارات القديمة والوسيطة، أو من خلال نشر الأبحاث في حوليات المعهد. وفي ظل التحولات المتسارعة التي ترخي بظلالها على المجتمعات كافة، يحافظ معهد الآداب الشرقية، بأمانة، على التاريخ وعلى الهوية الشرقية بكل أبعادها، ويواكب في آن كل ما فرضه التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، والثورة التكنولوجية والتقنية من تجديد في البحث والمناهج والمقاربات، واضعا المعلوماتية في خدمة اللغة والأدب والفكر”.
وقال: “لا يمكن في أيامنا هذه أن نعيش حالة إنكار، ونغض الطرف عن تحولات باتت جزءا من قوتنا اليومي وهنيهات تتراكم وتتبدل وتتراءى بألف نسق وحال. في ظل هذا الفيض من التحول، كانت ذاتنا تثب نحو الأمام، تتلقى صفع الأمواج برحابة صدر، وتتبدل… وكانت معها تتبدل لغتنا – صورتنا وصوتنا- في هذا الكون الشاسع، وبصمتنا في الزمن. من هنا، أمام هذا الجديد الشائع، كنا أمام خيارين… إما أن نبقى مكتوفي الأيدي، متفرجين، تسبقنا قاطرات التقدم وتتركنا وحيدين على رصيف الأمس… وإما أن نعدو ونراهن على تاريخنا المشع علما ومعرفة وأدبا… لننطلق بكليتنا نحو الغد بلا تردد… فنوظف لغة، أو ربما نبني لغة، تتماشى مع السياقات الحياتية الجديدة، تخلع عنها رداء التقليد من دون أن تمس بأصالته، وذلك كي تعود لتحيا في ثقافة الأجيال الجديدة وتمسي جزءا من استخداماتها اليومية في مختلف حقول العمل. وبهذا نكون قد أنقذنا لغتنا من جمود في عصر سرعة، ومن خطر موت أمام سطوة اللغات الأخرى في زمن العولمة والحياة الافتراضية. لكن، ومن واقع لا يمكن حجبه، ترسم لليوم، كما للأيام اللاحقة، خطوط جديدة في مسيرة المعهد… فمن أولى المسؤوليات الملقاة عليه اليوم استعادة مكانته مرة أخرى في مجال البحث والدراسات والتدريب، ليبقى كما كان أساسا في جامعة القديس يوسف”.
أضاف: “وإنا، وإذ لا ننكر التغير الجذري في البيئة التي يتواجد فيها معهد الآداب الشرقية في العقود الأخيرة، نشدد على حاجة المعهد إلى مساعدة الجميع. لقد ولى الزمن الذي كان المعهد يتألق فيه منفردا ويزدهر بفضل طابعه الخاص حصرا؛ لهذا حان الوقت ليرسخ علاقاته بالجامعات العربية والغربية ويفعل المشاريع المشتركة معها، كما حان الوقت كي ينفتح على معاهد الجامعة وكلياتها، المدعوة بدورها إلى المساهمة في تعزيز معهد الآداب الشرقية ورسالته”.
وختم: “من مئة وعشرين سنة، مسيرة بدأت، وتستمر. دمتم ودام معهد الآداب الشرقية مشعا من قلب جامعة القديس يوسف في بيروت للبنان وللعالم”.
Share via:
