في ظل الأزمة المالية التي تعصف بلبنان منذ عام ٢٠١٩، تحوّلت الودائع المصرفية إلى قضية وطنية وإنسانية، تتجاوز الأرقام والحسابات لتلامس جوهر الحقوق الفردية وكرامة المواطن. وبصفتي محاميًا، أجد أن معالجة هذه الأزمة لا تحتاج إلى تعقيدات سياسية، بل إلى تطبيق صارم وواضح للقانون اللبناني، الذي لا يزال حتى اليوم يحمي المودع نظريًا، وإن خذلته الممارسة.
ان الوديعة المصرفية: عقد قانوني ملزم
وفقًا لقانون الموجبات والعقود، تُعد الوديعة المصرفية عقدًا يُلزم المصرف بردّ المال عند الطلب. المصرف هنا ليس مجرد حافظ للمال، بل مدين به، وأي امتناع عن السداد يُرتب مسؤولية مدنية كاملة، ويُعطي المودع حق المطالبة القضائية بالتنفيذ والتعويض.
ان الحماية الدستورية للملكية الخاصة
المادة 15 من الدستور اللبناني تنص على أن الملكية الخاصة مصونة، ولا يجوز المساس بها إلا للمنفعة العامة وبموجب قانون وتعويض عادل. احتجاز أموال المودعين دون سند قانوني يُعد انتهاكًا مباشرًا لهذا النص، ويُشكل تعديًا على الحقوق الفردية المكفولة دستوريًا.
كما ان لا سقوط للحق بالتقادم
حيث الحق في استرجاع الوديعة لا يسقط بالتقادم، لأن الدين لم يُستحق فعليًا نتيجة القيود غير القانونية المفروضة على السحب. فالتقادم يبدأ من تاريخ الاستحقاق، والمصارف لم تُمكّن المودعين من ممارسة حقهم، ما يُبقي الدين قائمًا قانونًا.
هنا يمكن التاكيد بان الحل القانوني هو إعادة هيكلة عادلة للمصارف الذي يكمن في إقرار قانون لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، يُعيد توزيع الخسائر بين الدولة، المصارف، والمساهمين، ويضمن استرجاع الودائع تدريجيًا وفق آلية واضحة، دون الحاجة إلى دعاوى فردية، وبإشراف قضائي ورقابي صارم. هذا الحل يجب أن يُراعي مبدأ العدالة الاجتماعية، ويُعطي الأولوية لصغار المودعين.
وهنا ان مسؤولية الدولة اللبنانية والمصرف المركزي
وفقًا لمبدأ المسؤولية التقصيرية، فإن تقاعسهما عن حماية أموال المودعين يُرتب مسؤولية قانونية، خاصة إذا ثبت الإهمال أو سوء الإدارة في السياسات النقدية والمصرفية.
واخيراً ان الوديعة المصرفية ليست منّة من المصرف، ولا هبة من الدولة، بل حقٌ قانوني مكتسب لا يُسقطه الزمن ولا تُلغيه الأزمة. إن استرجاع هذا الحق هو واجب قانوني وأخلاقي، وعلى السلطة التشريعية أن تتحمل مسؤوليتها في حماية هذا الحق، بعيدًا عن التسويات السياسية أو الضغوط المالية.

-المحامي كميل حبيب معلوف-