علّمتني الأعوام أن لا أبكي عهداً مضى ولا أضحك لعهد يأتي . وأن لا أعُدّ خُطواتي على رمال الزمان . فلا أندم على صبا تحجّب وشباب تصرّم . ولا أجزع من كهولة تفضي إلى شيخوخة وشيخوخة تنتهي إلى رمس ، ورمس إذا اتّسع لرفاتي لن يتّسع لكلّ ما فكّرت واشتهيت وقلت وعملت . والذي فكرته واشتهيته وقلته وعملته هو بذاري أودعته ذمّة الزمان . وأنا حريّ بأن أستغلّه قبل أن يستغلّه سواي . وللزمان ذمّة لا تخون .
وعلّمتني الأعوام أنّ الحياة زرع دائم وحصاد دائم ، وأنّ من يزرع القطرب لا يحصد القمح ، ومن يغرس العوسج لا يجني العنب . أما الزمان فلا يزرع ولا يغرس ، ولا يحصد ولا يجني ، ولا هو يحمل البذار والغرس . ولكنه شاهد لا أكثر . وأمّا البذار فمنّا وفينا . وكذلك الغرس منّا وفينا . وأمّا الزارعون والغارسون ، والحاصدون والجانون فنحن . والزمان براء من كلّ ما نعمل أو لا نعمل .
وإذن فنحن إمّا ماجنون أو مدجّلون أو مخبولون كلّما شكونا على الزمان جوره أو رجونا منه عدله .