مريم قوش-
هاتفتُ صديقتي في جنوب لبنان، كانت تتحدث بصوت مرتجف، وهي تقول: يحدث بنا ما كنا نشاهده في غزة على شاشات الأخبار. الذي يحدث لا يُصدق.. نحن نجهز أنفسنا للنزوح هربا من الموت..
كتمتُ حزني، وقلت لها: خذي معك كل شيء، خذي المستندات والوثائق الرسمية، خذي ملابس للمواسم كلها، خذي مؤونة البيت وأثاثه، خذي ما استطعت من مقتنيات الذاكرة، هدايا الأصدقاء، مقتنياتك التي تحبينها، ستارة الحاكورة، ووجع الباب، وطلة الشباك، واملئي قلبك برائحة الحارة.. وأصوات الجيران. وحنين الشارع الطويل، خذي المفتاح فالجدران كم تشتاق. خذي كل شيء.. لا تتركي شيئا للموت..
أجابتني باكيةً: لن أدرك الوقت لأحمله معي، سأهرب دون زماني ومكاني، لعلنا أنجو
قلتُ لها بحزن أكثر: لا بأس! المهم أنتم، ستعيدون للمكان رائحته، وللزمان معناه.. المهم أنتم
انفجرت باكبة: لم يبق لنا (أنتم) لقد سقطت المنازل فوق رؤوس أهل الضيعة، كأن الذاكرة لم يهن عليها أن تظل وحيدة بين ألسنة البارود.
25 ايلول 2024