انطلق مسار الثقافة، رابع مسارات مشروع “لبنان في قرنه الثاني: رؤية مستقبلية”، في الجامعة الأميركية في بيروت تحت عنوان “الثقافة بوصفها معنى لبنان”، في ندوة تحدّث فيها كلّ من المؤلف والمخرج اللبناني هادي زكاك، ووسام سعادة الأستاذ في معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف، والكاتب الصحافي يوسف بزي، والدكتور حسن منيمنة الأستاذ في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.
وأدارت الندوة الصحافية اللبنانية ديانا مقلّد، التي افتتحت اللقاء بالقول “إنّ لبنان الذي بلغ مئويته الثانية يمرّ بأزمة متعددة الأبعاد غير مسبوقة في تاريخه الحديث، تهدّد وجوده وكيانه ومصيره، ولا تُستثنى ثقافته من هذا السقوط المريع”. معتبرةً “أنّ هناك حربًا تُشنّ راهنًا على الثقافة والحريات، تُدخل لبنان في زمن الانحطاط، بعد أن تمّت السيطرة على مفاصل البلد الأمنية والاقتصادية والسياسية، وتمّ تقويض مؤسساته، وأنّ الخطر على الثقافة يتجاوز بخطورته مسائل الانهيار المالي والاقتصادي وحتى الأمني على أهميتها، في منطقة تنهض فيها أنظمة الاستبداد والقمع.”
وتحدّث هادي زكاك، فأشار إلى “أنّ السينما تشكّل ذاكرة للماضي وواجهة على المستقبل، من حيث رسم الأحداث في لبنان كيف كانت في الماضي وكيف ستكون في الحاضر.” مذكّرًا بأنّ “السينما اختلفت مع كل فترة زمنية، ففي حقبة الخمسينات والستينات كان الانتقال من مرحلة التحفظ إلى مرحلة أكثر انفتاحًا، ومن صورة لبنان القرية إلى الانفتاح على المدينة وما فيها من تنوّعات، وكان لبنان مقصدًا للممثلين العرب والأجانب، وكان الممثل العربي يأتي بحثًا عن الحبّ والرومانسية، أما الممثل الأجنبي فكان يعدّ لبنان مكانًا لعبور الأموال. فيما ركّزت فترة ما بعد الحرب الأهلية على المعارك وأسبابها، وعلى كيفية إعفاء أمراء الحرب مما ارتكبوه”.
وصرح وسام سعادة “أنّ النزعة الفينيقية ضاعت بين من أهدر فرصتها وبين من مجّدها، وكلا التصرفين أضرّ بفكرة المتوسطية، فهذه النزعة تجدّد الطريق للتقاطع والتبلور في المتوسطية، ونحن في اللحظة الحالية في لبنان يمكننا، عند السؤال عن المستقبل الثقافي لبلدنا، أن نجيب بأنّ الحاجة للمتوسط اليوم هي حاجة للتصالح مع الخريطتَين البحرية والبرية للبنان”.
بزي
وقدّم يوسف بزي في مداخلته لمحة تاريخية ذكّر فيها بأنّ “جبل لبنان كان يتقدم بإيقاع مختلف، ويطلب استقلالية حقوقية وسياسية وثقافية عن العالم العثماني، وأنّ جبل لبنان وبيروت كانا منبعًا للنهضة العربية، ومقرًّا لأولى الجامعات الحديثة، وللطباعة والترجمة والصحف والتعليم الحديث. وعلى هذا الأساس قامت جمهورية اختارت مبدأين أساسيّين: الديموقراطية والاقتصاد الحر”.
وكان ختام الندوة مع الدكتور حسن منيمنة الذي سلّط الضوء على أهمية الأسس البنوية الثلاثة، وهي الإعلام والتعليم والتوثيق، مؤكّدًا “أنّ العلاقة مأزومة بين الدولة والمجتمع، وأنّ مسؤولية تعزيز البنية التحتية لا نستطيع أن نعتمد فيها على الدولة، فالمجتمع والدولة في لبنان لم يصلا بعد إلى عقد اجتماعي يسمح للدولة بأن تلتزم بهذه المؤسسات، كما أنه ليس أمرًا إيجابيًّا أن نلزّم الدولة كثيرًا من هذه المؤسسات. إذن لا بد من دفع الزخم الاجتماعي، ولا بد من حركة على مستوى المجتمع اللبناني والمبادرة الخاصة والمبادرة الفردية والقطاع الخاص، بناء على الطبيعة المركبة والمتداخلة والفائضة للهوية اللبنانية. هذا الأمر مهم حتى نسمح بتعدديات وليس بتعددية واحدة وإبراز كل هذه الأمور، وصولًا في نهاية المطاف، إن حصلت هذه الدورة التفاعلية، إلى أجواء من الحرية تسمح بالطرح المتعارض من جهة، وبالشروع بأمر مهم جدًّا تخلفنا عنه بعد الحرب وهو المصالحة والمصارحة”.
Share via: