الأاب كيرلس ستافروس-
هناك من يُلقبنا أحيانًا بسخرية أو ازدراء بـ”عُبّاد الصليب”، وهم يظنون أن في هذه التسمية إهانة لنا أو تقليلاً من إيماننا. لكننا نقولها بكل فخر: نعم، نحن عُبّاد الصليب. ولسنا نخجل، بل نفتخر أن نُدعى بهذا الاسم، لأن الصليب هو عنوان خلاصنا وأساس رجائنا.
الصليب ليس وثنًا
الصليب ليس خشبة نعبدها كما يظن البعض. ليس تمثالًا جامدًا نُقدّم له قرابين. نحن لا نعبد الصليب في ذاته، بل نعبد الذي صُلب عليه وقام من بين الأموات. الصليب هو رمز الفداء، هو الذكرى الخالدة لتلك اللحظة التي غلَب فيها الحبُّ الموتَ، وغلب فيها النورُ الظلمة.
عندما نرسم إشارة الصليب على وجوهنا وقلوبنا، فنحن نعلن: “نحن للمسيح”. هذه العلامة ليست حركة فارغة بل شهادة إيمان وحضور إلهي يظلّل حياتنا.
سر القوة في الضعف
في نظر العالم، الصليب ضعف وهزيمة، لكنه عندنا قوة الله للخلاص. يقول الكتاب:
“لأَنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ”
(1 كورنثوس 1: 18).
الصليب هو التناقض العجيب: مات عليه المسيح بالجسد ليُعطينا حياة لا تنتهي. انكسر فيه الجسد، لكن الروح غلبت الموت إلى الأبد.
هوية المؤمن
حين نُسمى “عبّاد الصليب”، فهذا يعني أننا نحمل في قلوبنا رسالة المصالحة والمحبة والتضحية. يعني أننا اخترنا أن نسلك طريق الصليب، لا طريق الكبرياء والانتقام. نحن تلاميذ الذي علّمنا:
“مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائِي، فَلْيُنْكِرْ نَفْسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ كُلَّ يَوْمٍ وَيَتْبَعْنِي.”
(لوقا 9: 23)
أن نكون عبّاد الصليب هو أن نختار المحبة على الكراهية، والغفران على الانتقام، والصبر على العنف، والثبات على الزيف.
الصليب وسط الألم والاضطهاد
عبر التاريخ، حاول كثيرون اقتلاع الصليب من حياتنا وبيوتنا وكنائسنا. ظنوا أن تهديدهم سيجعلنا نتخلى عنه، أو نخفيه خجلاً. لكن كل محاولة لطمس الصليب جعلتنا نلتصق به أكثر.
الصليب صار لنا راية انتصار وصمود، وصار الدم المسفوك عليه بذرة حياة لا تموت.
كم من شهيد مضى وهو يردد: “باسم الصليب أنتصر”. وكم من مؤمن احتمل العار والاضطهاد لأنه رأى في الصليب شرفًا لا يُداس.
الصليب هو حياتنا
نحن لا نُعلّق الصليب على صدورنا تزيينًا فقط، بل نُعلّقه في أعماقنا إيمانًا وثقة. الصليب عندنا هو:
تذكار الحب: حين أحبنا الله حتى الموت.
تذكار الغفران: حين غفر لصالبيه.
تذكار الرجاء: لأن الألم لا يدوم، بل تأتي القيامة.
لهذا، حين ينادوننا “عبّاد الصليب”، فلنبتسم بسلام ونرد:
نعم، نحن عبّاد الصليب، ونحن لا نخجل، لأن في الصليب وحده نلنا الحياة والفرح والحرية.
فليظل صليبنا مرفوعًا عاليًا في قلوبنا وبيوتنا وكنائسنا، وليظل اسمنا “عبّاد الصليب” علامة شهادة حيّة أمام العالم: أننا أبناء الإله الذي أحبنا حتى الصليب.
