نور القبر المقدس

You are currently viewing نور القبر المقدس
 للدكتور نبيل ميشال سمعان-
إن حدث وليتورجية نور القبر المقدس كان وما زال أحد الأحداث العظيمة في الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية الرومية، يجمع آلاف المؤمنين من العالم في أورشليم في كل سنة يوم السبت العظيم (بحسب التقويم اليولياني الشرقي)، “سبت النور”.
حتى النصف القرن الثالث عشر، كان العالم المسيحي بأسره يشترك في هذه العجيبة ويقبلها بصدق، وذلك رغم الإنشقاق بين الكنيسة الشرقية والغربية الذي حصل سنة 1054م.
وقد إستمرَّ بعد الإنشقاق قبول الكنيسة الغربية أصالة ومصداقية العجيبة، وكان ممثلوها في الشرق يشتركون بالخدمة بكل خشوع. لكن في سنة 1238م، وبشكل مفاجيء، وبدون أن يقدِّم سبباً معيناً، شكَّكَ البابا غريغوريوس التاسع بمصداقية العجيبة ومَنعَ الإكليريكيين اللّاتين أن يشتركوا بالخدمة. منذ ذلك الوقت إستمرت العجيبة في الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية فقط.
تاريخ تأسيس كنيسة أورشليم، أو كنيسة القيامة في أورشليم:
تأسست كنيسة أورشليم سنة 33م، بعد موت وقيامة الرب يسوع، وكان القديس يعقوب أخو الربّ أول أسقف عليها. بعد ثورة اليهود سنة 66م، أتى القائد تيطس على رأس 36000 جندي ودمّر أورشليم بكاملها و ذلك سنة 70م. قبل هذا التدمير بثلاث سنين (أي حوالي ٦٧م) ترك معظم المسيحيون أورشليم وتفرقوا في الجليل والمدن العشر (عبر الأردن)، خصوصاً في مدينة بيلّلا Pella التي صارت مركز كرسي أورشليم، كما توجه قسمٌ منهم إلى أنطاكية.
إستمرّت أورشليم مهدَّمة حتى سنة 136م، حين أعاد بناءها الأمبراطور هادريان Hadrian وأسماها أليا كابيتوليناAelia Capitolina . وكان قبر المسيح مملؤٌ تراباً (مكبَّ أتربة). رغم ذلك، عرف المسيحيون مكان القبر، ولكنهم لم يستطيعوا عمل أي شيء مع السلطة الوثنية. عاد المسيحيون إلى أليا كابيتولينا Aelia Capitolina من بيلّلا Pella خصوصاً، وكان أول أسقف عليها بعد العودة الأسقف مرقص بحسب أفسافيوس القيصري (تاريخ الكنيسة).
سنة 313م أصدر الأمبراطور قسطنطين “مرسوم ميلان”، الذي به سمح للمسيحيين ممارسة شعائرهم الدينية. و في سنة 326م، زارت القديسة هيلانة أم قسطنطين أورشليم ، وكانت بعمر 78 سنة، فقامت بأعمال الحفر (عند المكبّ) بحثاً عن قبر المسيح وخشبة الصليب، وقد اكتشفتهما. وأمر قسطنطين حينئذٍ بتدبيرٍ من أمه هيلانة أن تبني كنيسة فوق القبر وهي كنيسة القيامة المقدسة Anastasis، التي حوت القبر المقدس في الداخل والجلجلة (فيها خشبة الصليب) في الخارج، وقد تمّ تكريسها في 13 أيلول سنة 336م. ابتداءً من منتصف القرن الرابع، تأسس لهذه الكنيسة نظام رهباني يهتمّ في الخدم فيها، دعوا بال “سبوذايي” Spoudaeoi، وقد ذكرتهم إيجيريا Egeria الإسبانية في تدوينها لزيارتها إلى أورشليم سنة 385م. غزاها الفرس سنة 614م وأخذوا معهم خشبة الصليب، إلى أن استعادها الأمبراطور هيراكليوس Heraclius سنة 627م. يذكر التاريخ أنه عندما وصل الأمبراطور أمام مدخل المدينة الذي يدعى الباب الذهبي Golden Gate، نزع هيراكليوس تاجه ومشى في الطريق نفسه كما مشاه يسوع نحو الجلجلة حاملاً الصليب الكريم ليدعه في كنيسة القيامة في 14 أيلول سنة 630. سبع سنين بعد ذلك، أي سنة 637م، احتلَّ العرب المسلمون أورشليم، وقد أصدر الخليفة عمر ابن الخطاب مرسوماً جاعلاً الكنيسة وكل كنائس أورشليم تحت سلطة “بطريرك الأمة الملوكية الرومية”، القديس صفرونيوس (بطريرك أورشليم حينذاك).
سنة 1098م، شنّ الغرب المسيحي الحملات الصليبية واحتلَّ أورشليم سنة 1099م، و حكموها مدّة 88 سنة، حينئذٍ أصبحت مفاتيح كنيسة القيامة مع الإفرنج Franks.
ولكن حدثان مهمّانِ حولاَّ سير الأمور، ففي سنة 1100م، تأخّر نزول النور على القبر كثيراً حين كان يقوم اللاّتين بالخدمة. ثم في السنة التي تلتها أيّ 1101م، لم ينزل النور البتة، فكان أن تنازل اللّاتين عن كنيسة القيامة و تمَّ تسليمها للروم مجدداً.
ظلّ الأمر كذلك قرون عديدة، وقد أصدرت الأمم المتحدة قراراً سنة 1950م يعطي الكنيسة للروم مع السماح لغيرهم بالصلاة فيها.

اترك تعليقاً