أحد الابن الشاطر

الخوري نسيم قسطون:

في هذا الأسبوع الرابع من الصوم، منتصف الصوم، تقدم لنا الكنيسة مثل الابن الشاطر (من شَطَرَ أي قسم) كمحطّة لنطرح على ذواتنا فيها مجموعة أسئلةٍ حول علاقتنا بالله ونظرتنا إليه.

كما يتبيّن من قراءتنا للنصّ (لو15 /11-32)، نحن أمام علاقةٍ معقّدةٍ بين أبٍ استمرّ أباً رغم كلّ شيء وأمام ابنين أنكر كلّ منهما بنوّته على طريقته.

فالأصغر “باع” (بالمعنى الدارج) كلّ شيء بقليلٍ من اللّذة وما عقابه إلا نتيجة حتميّة لسوء تدبيره ولقلّة بصيرته. أما الأكبر فأنكر بنوّته وأخوّته من فرط حرصه على ما يملك.

الأخوان في النصّ يمثّلان الحدّين الّلذين ممكن أن يبلغهما أيّ واحدٍ منّا في أثناء مسيرته الأرضيّة إن ابتعدنا عن الله عمليّاً (كالابن الأصغر) أو قلبيّاً (كالابن الأكبر) فالموت الروحي يبدأ في حياتنا حين نقطع علاقتنا مع الله (الابن الأصغر)، ونضع نفسنا مكانه في علاقتنا مع الآخرين (الابن الأكبر).

يحمل هذا النصّ من الإنجيل درساً قيّماً لنا يعلّمنا كيفيّة المحبّة وأهميّة تجسيد الغفران بأفعالٍ جليّة لا بالأقوال وحسب، على مثال بطل القصّة الحقيقي الّذي هو “الأب المحبّ”!

رامبرانت، الرسام الشهير، ترجم هذا النصّ بلوحةٍ شهيرة في العام 1667م مظهرًا فيها الإبن العائد متكئًا رأسه على بطن أبيه الّذي له يدان مختلفتان تحضنان الإبن التّائب: يدٌ خشنة تدلّ على الأبوّة ويدٌ ناعمة تدلّ على الأمومة!

هذا هو إلهنا الّذي يلدنا كلّ يومٍ في أحشاء رحمته الّتي تجدّدنا وتعيد إلينا بهاء صورتنا الأولى وترفعنا إلى مستوى البنوّة مهما أوغلنا في البعد عنه…

إلهنا صبورٌ وجلود ولهذا هو قويّ وطويل الأناة، يننتظر الإنسان كي يعود إلى حقيقته وكي يدرك هويّته ولو كان قد أطاح بالكثير من مقوّماتها!

إلهنا أيضًا رحومٌ ومربٍّ فهو يضعنا دائمًا أمام إختبار الثقة فيكلّفنا بما فاتنا تنفيذه أو بما سبق لنا أن رفضنا أن نكونه!

ليس إلهنا إله ضعف، ففي المغفرة قوّة أمّا الإنتقام فهو ضعفٌ بشريّ ينهي المسألة دون حلّها فيما بغية الله هي حلّ المسألة كلّها بحيث يخلّص من تاه أو شرد (الإبن الأصغر) أو من تكبّر وتشامخ (الإبن الأكبر) لأنّ محبّته أوسع وأشمل مهما تقسّمت.

يدعونا نصّ اليوم إلى تقدير رحمة الله وعدم إستغلالها في سبيل الإمعان في التوغّل في موتنا الرّوحيّ فـ”رحمة الله حياةٌ والبعد عنه موت”!

كما يدعونا إلى استعادة إنسانيّتنا من مقالع قسوة القلوب إلى سماء الرحمة اللامتناهية حيث الرحمة مدخلٌ إلى التوبة وحيث الإنسان ينشغلُ أوّلاً بإصلاح ذاته، مفسحاً لسواه أيضاً بأن ينعم بمحبّة الله ونعمه وغفرانه!

أين نحن من محبّة هذا الآب التي تتجاوز كلّ الأخطاء بحقّها في سبيل اكتساب من تحبّ إلى قلبها؟!

الأهمّ أن نبقي قلبنا منفتحاً على نور الآب المحبّ والغفور فيغمرنا بذراعيه ويعيدنا إلى جوار قلبه!

اترك تعليقاً