تضعنا قصة يوسف البار أمام سرّ التدبير الإلهي الذي يتشابك مع حريتنا البشريّة. ففي خضم حيرته، لم يتسرع يوسف برد فعلٍ انفعالي، بل اختار طريقاً يحفظ كرامة مريم، مظهراً برارةً نابعة من قلبٍ متأملٍ وحكيم. لقد كان شرعياً له أن يشهر بها، لكن روحه الهادئة سعت إلى حلٍ يرأف بها. وهنا يظهر تدخل “ملاك الرب” كعلامة على حضور الله المباشر في اللحظات المُربكة، ليس ليلغي إرادة الإنسان، بل ليعطيها بُعداً أعمق واتساعاً جديداً.
هذا المشهد يطرح سؤالاً جوهرياً على مسيرتنا: أين نترك مجالاً لله في قراراتنا؟ فالبعض يحصر الله في زاوية ضيقة، فيستشيره في الأمور الكبيرة فقط، بينما يدبر باقي شؤونه بحسب أهوائه وحساباته البشرية، وكأنه يقول لله: “هذه المنطقة ليست من اختصاصك”. وآخرون يستبعدونه تماماً، فيصبح قرارهم وليد المنفعة الآنية أو الرأي السطحي، مُهملين البُعد الروحي والأخلاقي الذي يعطي للحياة معناها وجوهرها.
يوسف يعلمنا أن البرّ الحقيقي ليس في تطبيق الحرف فحسب، بل في الانفتاح على نداء الله حتى عندما يبدو غريباً أو صعباً. لقد قبل أن يكون أباً بالتبني ليسوع، مانحاً إياه الشرعية في النسب الداودي، وبذلك شارك في تحقيق الوعد الإلهي. لم تكن طاعته سلبية، بل كانت ثقة شجاعة بمشيئة الله التي تكشف نفسها لمن يصغي بقلب نقي.
فالمواقف المحيرة في حياتنا قد تكون الدعوة إلى إصغاء أعمق، إلى صمتٍ نتخلّى فيه عن أحكامنا المسبقة لنسمع الهمس الإلهي. الله يتكلم من خلال كلمته، ومن خلال صمت الصلاة، ومن خلال حكمة الكنيسة، وربما من خلال ظروف تبدو لنا صعبة. الثقة التي أظهرها يوسف تدعونا إلى تجاوز الخوف، والاعتقاد بأن الله حاضر في تفاصيلنا، يقودنا إلى الخير حتى عبر طرق غير متوقعة. ليست المشيئة غياب التحديات، بل هي اليقين بأننا، وسط العاصفة، لا نسير وحدنا.

