الخوري نسيم قسطون
لا يمكننا أن نفهم حقيقة ما يرويه هذا النصّ (متى 1: 18-25) إن فهمنا كلمة “مخطوبة” بالمعنى المعاصر… فالخطبة لدى اليهود كانت تعطي للعروسين إمكانيّة عيش الحياة الزوجيّة بالكامل وإن لم يتم بعد الانتقال من منزل أهل العروس إلى منزل العريس…
بهذا المعنى، لم يكن أحد ليستغرب حبل مريم إن لم يعلن يوسف بأنّ الحبل تمّ خارجًا عن علاقتهما! وهذا ما لم يقم به يوسف لأنّه كان “بارًّا”، ولذا فكّر، بشريًّا، في تخلية مريم سرًّا كي لا يتسبّب برجم مريم بتهمة الزنا!
بالمقابل، دعوة الملاك ليوسف ليكون أباً “شَرعِيّاً” لِيَسوع بالتَبَنِّي هي من أصعب المواقف بشريًّا في الحالات المماثلة لحالة يوسف ومريم ولكنّه ممكن لدى النّاس الأبرار لأنّ علاقتهم بالله مبنيّة على الثقة والإيمان والرّجاء بأنّ ما يريده لهم الله هو الأفضل لهم!
هذا يجعلنا نتأمّل في حياتُنا التي، بالتأكيد، تَحفَلُ بالمَواقِفِ الّتي يَصعُبُ مَعَها أَخذُ القرارات.
كُلِّ مَوقِفٍ مِنها يَمُرُّ المَرءُ منّا في مَرحَلَةٍ مِن عَدَمِ الاستِقرار، تَكثُرُ فيها الحَيرَةُ والشَكُّ وحتّى الَخوفُ، إلى أَن تَنجَلِيَ “الغَيمَةُ” مَعَ وِلادَةِ الجوابِ أَو القَرارِ المُناسِب. وَلَكِن، على طريقِ القَرار، نَستَشيرُ مَن نراهُم أَخبَرَ مِنّا، مِن أهلٍ أَو رِفاقٍ أَو حتّى خُبَراء.
وَلَكِنَّ هَذا الإِنجيل يَضَعُنا أَمامَ سُؤالٍ كبير: ما هُوَ دَورُ اللهِ في قَراراتنا الشَخصِيَّة وَالعَمَلِيَّة؟ أَو بِالأَحرى هَل نترُكُ لَهُ دَوراً؟ وإذا كانَ لَهُ مِن دَور، هَل هُوَ الدَّورُ الّذي يَجِبُ أَن يَكونَ لَهُ؟
بَعضُنا لا يَترُكُ للهِ دوراً، فتُولَدُ قراراتُهُ كُلُّها وَليدَةَ قَناعاتِهِ أَو مَصالِحِهِ الخاصَّة. وَرُبَمّا يَكونُ هَذا حَسَناً وُلَكِنَّ خُطُورَتَهُ تَكمُنُ، مِن جِهَةٍ، في التَوَصُّلِ إِلى بَعضِ القَراراتِ المُخالِفَةِ للضَّميرِ أَوِ للقِيَمِ الأَدَبِيَّة، أَو مِن جِهَةٍ أُخرى، في اتِّخاذِ قَراراتٍ سَطحِيَّةٍ لا تَدخُلُ إِلى العُمق (مَثَلاً: الاستعداد العَمَليّ للزواج أو للعِماد مَعَ إِهمال النّاحِيَةِ الرُّوحِيَّة).
بَعضُنا الآخَر يُحَجِّمُ اللهَ إلى القِياسِ الّذي يُريدُهُ هُوَ فيَحُدُّ الله في ناحيَةٍ مُعَيَّنَة تارِكاً لنَفسِهِ باقي النّواحي الّتي يُدَبِّرُها بِ”شطارَتِهِ” أَو بأَساليبِهِ الّتي قَد تَكونُ مُلتوِيَةً أُو غَيرَ حَكيمَة (كالسائِق الّذي يُبالِغُ في السُرعَةِ مُدَّعِيّاً عَدَمَ الخَوفِ مِنَ الحَوادِثِ لاتِّكالِهِ عَلى الله).
السؤال الموجّه إلينا، إنطلاقًا من تأمّلنا بموقف يوسف البار، هو: هل نثق بالله وإن كنّا نمرّ بظروفٍ صعبةٍ وقاسية، صحيّة أو اجتماعيّة أو ماديّة أو إيمانيّة وهل لدينا الاستعداد للمضيّ في الحياة ونحن متجاوبون مع إرادته لحياتنا؟
وإن سأل أحدٌ: كيف نعرف إرادة الله؟ الجواب هو:
الكلمة صار جسدًا في الكتاب المقدّس وفي القربان…
فهل نمضي معه الوقت الكافي لنعلم إرادته بشكلٍ واضحٍ وجليّ؟
إنجيل اليوم يدعونا إلى مدرسة الإصغاء، مدرسة الدخول في عمق الاتحاد بالله بعيداً عن يوميّاتنا وهموم الحياة الآنية!
Share via:
