أحد تجديد البيعة

You are currently viewing أحد تجديد البيعة

الخوري نسيم قسطون:

بينما نحتفل بأحد تجديد البيعة، تدعونا الكنيسة إلى تأمل عميق في جوهر إيماننا وعلاقتنا بالمسيح. فالنص الإنجيلي (يوحنا 10: 22-42)، يضعنا أمام مشهد حوار بين الرب يسوع واليهود، الذين طالبوه بتصريح واضح عن هويته، لا بحثًا عن الحقيقة، بل محاولة للتشكيك واقتناص ما يبرر لهم موقفهم الرافض. هنا يظهر التحدي الأبدي: كيف نستجيب لشخص يسوع؟ هل ننظر إليه بقلوب منفتحة تبحث عن الحق، أم بعقول مغلقة ترفض كل ما لا يتوافق مع توقعاتنا المسبقة؟

يجيب الرب يسوع بمفصليتين أساسيتين: الأعمال التي يصنعها باسم الآب، وعلاقته بالذين يتبعونه. لقد شهدت أعماله – من شفاء المرضى وإقامة الموتى – عن هويته الحقيقية، لكن القلوب القاسية لم تستطع أن ترى فيها تجليًا لمجد الله. والأمر الثاني، الأعمق، يتمثل في العلاقة الشخصية: “خرافي تسمع صوتي، وأنا أعرفها، وهي تتبعني”. هنا يكمن سر الهوية المسيحية الحقيقية: ليست في الانتماء الشكلي، بل في الاستماع الدائم والمتابعة الثابتة.

اليوم، وبعد ألفي عام، نواجه تحديات مشابهة وإن اتخذت أشكالًا جديدة. فكثيرون يعيشون إيمانًا سطحيًا، يحملون اسم مسيحيين لكنهم في الواقع بعيدون عن جوهر العلاقة مع المسيح. لقد حل الفتور محل القسوة، والروتين محل الحماسة، والمظاهر الخارجية محل الجوهر. نرى هذا في أولوية اهتماماتنا اليومية على حساب الوقت المخصص للصلاة والتأمل في كلمة الله. نراه في انجذابنا نحو أصوات العالم – من منجمين ومشاهير – أكثر من انجذابنا نحو صوت الراعي الصالح.

الخطر الآخر يتمثل في تحويل الإيمان إلى أيديولوجية أو شعارات سياسية، حيث يُختزل الدين في مطالب طائفية أو مظاهر شكلية، فتفقد البشارة نقاوتها وتتحول إلى أداة للصراع بدل أن تكون جسرًا للمحبة والمصالحة. وكما حذر أحد الحكماء: “في عصرنا، كثر التديّن وقلّ الإيمان”.

يدعونا هذا الأحد إلى فحص ضمير جاد: من أين نستقي يقيننا؟ أي أصوات نسمع في ضجيج عالمنا؟ هل نخصص وقتًا كافيًا للاستماع إلى صوت الرب من خلال الكتاب المقدس والصلاة؟ هل نبحث عن وجهه في سر الإفخارستيا؟ هل تترجم إيماننا إلى تصرفات يومية تعكس محبته ورقيه؟

التجديد الحقيقي يبدأ من إعادة ضبط بوصلة قلوبنا. أن نتعلم من جديد فن الاستماع، ليس استماعًا عابرًا، بل استماعًا يتحول إلى حياة. أن نعيد اكتشاف الفرح البسيط والعميق في أن نكون من خراف المسيح، نسمع صوته ونتتبعه. حينها فقط يصبح إيماننا قوة حية تتجدد يوميًا، قادرة على مواجهة تحديات عصرنا بشجاعة ورجاء.

هذا هو معنى تجديد البيعة: أن نعود إلى الأساس، إلى العلاقة الشخصية مع المسيح، التي تمنحنا هويتنا الحقيقية وتجعل من إيماننا نورًا للعالم وملحًا للأرض.

اترك تعليقاً