سيدة تحكي وتقول:
لثلاثين عامًا، كنت أستيقظ قبل الفجر.
أعددت آلاف وجبات الإفطار، وغسلت جبالًا من الغسيل، ضمدت جروح الركب الصغيرة، ومسحت دموعًا لا تُعد. كان أولادي عالمي بأسره. عملتُ في ورديتين لأدفع تكاليف الجامعة، بعت مجوهراتي لأساعدهم في زيجاتهم، وحتى رهنت بيتي لأدعم أحلامهم في مشاريعهم.
كان الجميع يقول: “أمك ستكون دائمًا موجودة.” وكنتُ أبتسم بفخر، معتقدة أنني أبني شيئًا جميلًا: عائلة يجمعها الحب غير المشروط.
كارلوس، ابني الأكبر، كان يزورني كل شهر. دائمًا محتاج لشيء — رعاية أطفاله، مال، أو وجبة من يدي. كان يقول: “لا أحد يطبخ مثلكِ يا أمي.” وكنتُ أذوب من الحنان كل مرة.
آنا، ابنتي الوسطى، كانت تتصل باكية بعد كل شجار مع زوجها. كنت أترك كل شيء لأواسيها، لأعطيها نصائح لا تعمل بها. كانت تقول: “أنتِ تفهمينني أكثر من أي أحد.” وكنتُ أشعر أنني لازلت مطلوبة.
لويس، أصغري، كان لا يزال يعيش معي وهو في الخامسة والثلاثين. كان يقول: “أدّخر لأنتقل.” بينما كنتُ أغسل ملابسه وأطبخ له طعامه. لكن مدخراته كانت تتبخر على ألعاب الفيديو والسهرات.
ثم جاء اليوم الذي تغيّر فيه كل شيء.
سقطة بسيطة، كسر في الورك، شهران من التعافي. ولأول مرة، أنا من احتاج للمساعدة.
كارلوس كان “مشغولًا بالعمل.”
آنا كانت “تمر بوقت صعب.”
ولويس… انتقل للعيش مع صديق في اليوم الذي عدت فيه من المستشفى.
انتظرت. كنت متأكدة أنهم سيأتون. لكن الأيام صارت أسابيع، والأسابيع صارت صمتًا. تراكمت الأعذار.
في أحد الأيام، سمعت أصواتًا تحت نافذتي. كان أولادي الثلاثة معًا، يتجادلون.
قال كارلوس: “أحدنا يجب أن يعتني بأمي.”
قالت آنا: “لا أستطيع، لدي عائلتي.”
قال لويس: “لنبع البيت ونضعها في دار مسنين، ونقسم المال بيننا.”
ورحلوا دون أن يدخلوا لرؤيتي.
تلك الليلة، لم أبكِ. لأول مرة منذ عقود، فكرت في نفسي — المرأة التي كنتها قبل أن أكون مجرد “أم.” الأحلام التي دفنتها. الفرص التي لم أغتنمها.
في الصباح التالي، أجريت ثلاث مكالمات:
واحدة إلى محامٍ.
واحدة إلى سمسار عقارات.
واحدة إلى أختي، التي دعتني لزيارتها في الخارج لسنوات.
بعتُ المنزل خلال أسبوعين. احتفظتُ بكل قرش باسمي. اشتريت تذكرة ذهاب بلا عودة.
وحين عرف أولادي، هرعوا إليّ. للمرة الأولى منذ شهور، وقف الثلاثة أمام بابي.
صرخ كارلوس: “كيف تفعلين هذا بنا؟”
بكت آنا: “بعد كل ما فعلناه من أجلك!”
وتذمّر لويس: “وأين سنقضي عيد الميلاد إذن؟”
نظرتُ إليهم بصمت. هؤلاء الثلاثة الذين كانوا يومًا عالمي كله — يرونني الآن عبئًا أو حسابًا مصرفيًا.
قلت بهدوء: “لم تعودوا بحاجة إليّ. وقد أدركت… أنني لم أعد بحاجة إليكم أيضًا.”
وأغلقت الباب.
في اليوم التالي، صعدت إلى الطائرة. المقعد 23A، أنظر من النافذة إلى الغيوم، شعرت بشيء لم أشعر به منذ عقود: الحرية.
يقولون إن الأمهات يحببن بلا شروط. لكن لا أحد يتحدث عن كيف أن هذا الحب، حين يكون من طرف واحد، قد يصبح سجنًا. أحيانًا، أشجع قرار هو ألا تبقى… بل أن ترحل.
الآن، أعيش في بيت صغير على البحر. لدي أصدقاء جدد، روتين جديد، وأحلام جديدة. أولادي يتصلون أحيانًا، يسألون دائمًا متى سأعود.
لكنني لن أعود.
لأنني تعلمت أن رعاية الآخرين لا تجعلكِ أمًا جيدة إن كنتِ تنسين أن ترعي نفسك. فالحب الحقيقي لا يمكن أن يعيش حيث يوجد فقط التوقع والأنانية.
ولأول مرة في حياتي… أنا سعيدة فقط بكوني أنا