اثنين الآلام

You are currently viewing اثنين الآلام

الخوري نسيم قسطون:

الصلاة ليست كلماتٍ نردّدها، بل حياةٌ نعيشها. الرسل شكّوا، خافوا، هربوا، لكنّهم عادوا لأنّهم اختبروا القوّة التي تُولّدها الصلاة. ليست صلاة الطلب التي تبحث عن إجابة، بل صلاة التسليم التي تثق بأنّ الله يعمل حتّى في صمتنا. فهل نصلي لنغيّر الله، أم لنسمح له بأن يغيّرنا؟

في قلب الإنسانيّة المتعطّشة، يقف الله جائعًا. ليس جوعه نقصًا، بل اشتياقًا. ليس عجزًا، بل انحناءً ليلمس جراحنا بجراحه. على الصليب، سيصرخ: “أنا عطشان”، لا ليعبّر عن حاجته، بل ليكشف عن عمق عطشنا نحن إليه. فالإله الذي لا يحتاج، يختار أن يحتاج كي نجرؤ أن نلتقي به في ضعفنا، في يبسنا، في عطشنا الذي لا يرويه إلا هو.

نحن أشجارٌ بلا ثمر، نُغطّي فراغنا بأوراق المظاهر، ونخفي جفافنا بظلّ الوهم. لكنّ الربّ لا يخدعه الاخضرار الزائف. فهو يبحث عن حلاوة التين، عن دفء الثمر الذي يُشبع الجائع، لا عن غصنٍ يابسٍ يلوّح بالعظمة وهو خاوٍ. كم مرّةً مرّ بجانبنا، وتوقّف ينتظر، ثمّ مضى حزينًا لأنّنا لم نُعطِه سوى الكلام، ولم نقدّم له سوى الصلاة الجافّة التي لا تبلّل شفاه المتألّمين؟

الإيمان الحقيقيّ ليس طلبًا من الله أن يُتمّم رغباتنا، بل استعدادًا لنكون أدواتٍ لتحقيق مشيئته. كم مرّةً صلّينا طالبين تدخّله، ثمّ غضبنا حين أجابنا بطريقةٍ لم نتوقّعها؟ نريد إلهًا على مقاسنا: غاضبًا حين نغضب، متسامحًا حين نخطئ، منتقمًا لأعدائنا، رحيمًا بضعفاتنا. لكنّ الإله الحقيقيّ ليس نسخةً عنّا، بل نحن مدعوّون لنكون صورةً عنه. هو لا يتغيّر؛ نحن من يجب أن يتجدّد.

في المسافة الضيّقة بين الإيمان والشكّ، تُولد المعجزة. ليس معجزة إيقاف الشمس أو تجفيف البحر، بل معجزة قلبٍ يتحوّل من اليأس إلى الرجاء، من القسوة إلى الرقّة، من الأنانيّة إلى البذل. الربّ لا يطلب منّا أن نُحرّك الجبال، بل أن نلمس القلوب. لا ينتظر منّا أن نُحيي الموتى، بل أن نُحيي المحبّة في أنفسنا أولًا، ثمّ فيمن حولنا.

اليوم، يدعونا الربّ إلى أن نكون تينته المثمرة. لا بالضجّة، بل بالعطاء. لا بالكلام، بل بالحبّ. هو جائعٌ إلينا، عطشانٌ إلى قلوبنا. فلنُوقف يبسنا، ولنفتح أعيننا على دربه الذي يعبرُ دائمًا بقربنا. ربّما نراه في جائعٍ، في عطشانٍ، في غريبٍ، في مريضٍ. هناك، حيث لا نتوقّعه، يُكلّمنا. هناك، حيث نرفض أن ننظر، ينتظرنا.

فهل نسمع؟ هل نثمر؟

أسبوع آلام مبارك!

اترك تعليقاً