الأحد الثالث عشر من زمن العنصرة

الخوري نسيم قسطون:

(إنجيل لوقا – الفصل 8 – الآيات 1 إلى 15)

إنّ الزراعة فعلٌ يتجاوز المعنى الحرفي ليشمل الأعمال الجيدة والسيئة في المجتمعات والأعمال والعائلات وإنجيل اليوم (لوقا 8: 1-15) يستخدم مثال الزارع ليعلّمنا دروسًا في الزراعة والحياة.

البعض قد يُبذر الخير دون أن يُدركه الآخرون أو يقدّرونه لأنهم يعيشون على هامش الحياة، غير واعين لقيمة المحبّة والعطاء. آخرون يواجهون قلوبًا كالصخر، تنسى الخير بسرعة لأن ذاكرة الوفاء لديهم قصيرة الأمد. وهناك من يزرع الخير ويُكافأ بالغدر، فتجرحه أشواك من ساعدهم لأنهم لا يعرفون معنى الوفاء. وفي المقابل، هناك من يزرع الخير في مكانه الصحيح، حيث يُقدّر وينمو ويتفاعل معه الناس.

الزرع يُرمز إلى كلمة الله، والأراضي التي تستقبل الزرع تمثل أنواعًا مختلفة من البشر. هناك من يستقبل الكلمة بفرح ولكن بلا جذور عميقة، وآخرون يخنقهم هموم الدنيا وملذاتها فلا يثمرون. وهناك من يعيشون على هامش الحياة المسيحية، مكتفين بالاسم فقط، فيما يمارس البعض المسيحية كشعار أو تقليد دون روح.

كلمة الله تتوجه إلى الجميع، ولكن لا يقبلها الجميع بنفس الحماس أو الفهم. عندما نقبلها، تغيّرنا من الداخل وتجدد ضميرنا وقلوبنا، وتزرع فينا الرجاء والسلام اللذين يفتقد إليهما مجتمعنا. علينا أن نعيد النظر في نوعية تربتنا وفيما يحول دون أن نكون أرضًا جيدة تعطي أفضل ما لديها.

يطرح الإنجيل أسئلة مهمة على كل شخص: من أي نوع من الأرض أنت؟ هل أنت ممن يعيشون على هامش الحياة المسيحية؟ هل إيمانك عميق أم أنك تتراجع في أوقات التجربة؟ هل تخنقك هموم الدنيا فلا تجد وقتًا لروحك وعائلتك؟ أم أنك تتغذى يوميًا بكلمة الله وتثمر في أعمال المحبة؟ هذه الأسئلة تدعو كل شخص للتأمل في حياته واختيار الطريق الذي يقوده إلى أن يكون أرضًا جيدة تثمر الخير.

إنجيل اليوم يعلّمنا أن نعطي ونزرع الخير مهما كانت ردود الفعل، لأن ما نعطيه يعبر عن ذاتنا وطبيعتنا التي لا ينبغي أن تغيّرها الأيام أو ردود فعل الناس. المكافأة الحقيقية تأتينا دائمًا من الله وليس من الناس. هذه هي الدعوة الدائمة للخير والعطاء بغض النظر عن الظروف وردود الأفعال.

الأرض الجيدة هي عنوان لمجتمع أفضل، حيث تعيش العائلات إيمانها بصدق، وتنبذ البلدات الخلافات، وتفكر المدن في المحتاجين، ويؤمن الوطن الأمان والكرامة لمواطنيه. الرعية تشكل جماعة متماسكة، والكنيسة تقرن القول بالفعل. اليوم نسأل أنفسنا: ماذا ينقصنا لنكون أرضًا طيبة؟ كيف يمكننا أن نحسّن تربتنا لنكون أكثر استقبالاً لكلمة الله وأكثر إثمارًا في أعمال المحبة والخير؟

يدعونا الإنجيل لنكون كالزارع الذي لا يبدد الحبوب، بل يزرعها في كل مكان، مؤمنًا بأن الأرض قد تتحول من قاحلة إلى خصبة بفضل التوبة والرغبة الصادقة. فلنكن نحن تلك الأرض الخصبة التي تنمو فيها كلمة الله وتثمر بأعمال المحبة والخير.

إن التحوّل إلى أرض خصبة يتطلب منا جهدًا وإصرارًا على التغلب على التحديات والهموم، والتمسك بالإيمان العميق الذي يمكننا من الصمود في وجه التجارب. فلنسعى جاهدين لنكون مثالًا يُحتذى به في زراعة الخير، لنكون بذلك شهودًا حيّة لكلمة الله في هذا العالم.

هكذا، ندعو الله أن يمنحنا القوة لنزرع الخير بلا تردد، وأن نصبح أراضٍ خصبة تستقبل كلمته بقلوب صالحة، فتثمر حبًا وعطاءً وسلامًا في مجتمعاتنا. لنكن دائمًا جاهزين لنستقبل الكلمة بحماس ونعمل على تحويلها إلى أفعال تساهم في بناء مجتمع أفضل للجميع.

اترك تعليقاً