بقلم الخوري نسيم قسطون-
لقد إعتدنا على أن نذكر دائمًا في معرض أحاديثنا الرّوحيّة أو الكتابيّة عبارة “الوصايا العشرة” التي تذكّرنا بطفولتنا وبقواعد فحص الضمير التقليديّة…
ولكن، الربّ يسوع، الكلمة-المتجسّد، إختصر هذه الوصايا بواحدة هي: “وَصِيَّةً جَديدَةً أُعْطِيكُم، أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُم بَعْضًا. أَجَل، أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُم بَعْضًا كَمَا أَنَا أَحْبَبْتُكُم” (يوحنا 13: 34) لا يلغيها بل ليؤطّرها جميعًا في المحبّة التي إعتبرها الرّسول يوحنّا أفضل ما يعرّف به عن الله حين قال: “ومَنْ لا يُحِبُّ لَم يَعْرِفِ الله، لأَنَّ اللهَ مَحَبَّة” (1 يوحنا 4: 8).
وإن أضفنا إلى ما سبق كلام الربّ يسوع في إنجيل اليوم: “مَنْ يُحِبُّنِي يَحْفَظُ كَلِمَتِي” نفهم أنّ المحبّة هي البداية والنّهاية: فمن يحبّ الله يحفظ الكلمة ومن يحفظ الكلمة يتعلّم السبل لمحبّة الله…
المحبّة في القاموس الإلهي هي فعلٌ واقعي مفهوم نظريّ كما أوضح لنا الربّ يسوع في إنجيل الدينونة (متى 25: 31-46) … وهو ما ننساه أحياناً في الحياة اليوميّة:
1- ماذا ينفع الجائع إن أغرقناه بكلمات عن أشهى وصفات الطّعام؟
2- وماذا ينفع العطشان إن وصفنا له أعذب ينابيع المياه؟
3- وماذا ينفع المتألّم جسديًّا أن يسمع آلاف كلمات التشجيع ما لم يتناول الدواء المناسب ليشفى؟
4- وماذا تنفع الطالب الصلوات إن لم يدرس تمهيدًا للإمتحان؟
5- وماذا تنفع الزوجة أو الزوج كلمات الحبّ إن كانت غلافًا للخيانة؟
المحبّة إذًا تتجسّد بالإفعال قبل الأقوال ولا سيّما بالتضحية في سبيل الآخر لأنّه يجسّد المسيح بالنسبة إلينا مهما كان لونه أو جنسه… أو مذهبه أو دينه… أو إنتماؤه السياسيّ أو العقائديّ…
يريدنا يسوع أن نحبّ هذا الآخر لأنّه أحبّه قبلنا ولأنّه أحبّه بدون مقابل ويريد لنا أن نكون مثله بمعونة الرّوح القدس الّذي، كما أكّد الربّ يسوع، “الَّذي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِإسْمِي، هُوَ يُعَلِّمُكُم كُلَّ شَيء، ويُذَكِّرُكُم بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُم”.
هذا الرّوح هو المعزّي الّذي سيمكّننا من الغلبة على آلام الحياة وهو الّذي سيرسّخ في قلوبنا السّلام الّذي وعدنا به الربّ: “السَّلامَ أَسْتَودِعُكُم، سَلامِي أُعْطِيكُم. لا كَمَا يُعْطِيهِ العَالَمُ أَنَا أُعْطِيكُم. لا يَضْطَرِبْ قَلْبُكُم ولا يَخَفْ!”.
سلام المسيح هو الّذي نشعر به حين نصغي إلى كلمة الله ونفهمها بمعونة الرّوح القدس ونسخّر في سبيل عيشها كلّ طاقاتنا وإمكانيّاتنا… لنزرع المحبّة حيثما حللنا…
سلام المسيح هو أن نتأكد مِن أننا سنحيا معه بالملكوت السماوي حياةً أبدية ليس لأننا مُستحقّين ذلك ولكن لأن الله محبة وهو أرسل إبنه الحبيب مُعلّمًا ومُخلّصًا لمن أحبّ الكلمة مِن كلّ قلبه.
لذا، أيّها الأحبّاء، تعالوا لنسير في هدي الرّوح القدس فنمجّد بأعمال المحبّة من هو “المحبّة”، آمين.
Share via: