الخوري نسيم قسطون:
في حياتنا اليوميّة، قد يتحوّل البحث عن الله إلى عادة ميكانيكيّة، فنلتقي به دون أن نسمح لهذا اللقاء بأن يغيّرنا.
هذا التبلّد ليس ضعفًا في الله، بل في استعداد قلوبنا لاستقباله بعمق وصدق وقد يكون السبب أنّنا نبحث عن الربّ في أماكن التي لا يسكن فيها، أو نحصر وجوده في الطقوس والممارسات الظاهريّة، متناسين أنّه ينتظرنا أيضًا في وجه الفقير، في صمت صلاة القلب، وفي عمق الكتاب المقدّس.
وعليه، فلنسأل ذواتنا: هل نبحث عن الله كما يجب؟
إنّ الصلاة التي لا تصدر من قلب صادق ومتواضع تبقى كلمات فارغة. الله يبحث عن قلوب تعرف أن تصمت لتسمع، وعن أيدي تعرف أن تعمل بمحبة، وعن عقول تنفتح على عمق كلمته.
حين ندخل في عمق العلاقة مع الربّ، نجد أنفسنا أمام دعوة إلى التجدّد المستمرّ.
هذا اللقاء مع الله ليس حدثًا نعيشه مرّة ثمّ ننساه، بل هو دعوة يوميّة لعيش الحضور الإلهي بكلّ أبعاده دون أن يعني ذلك أن الربّ يسوع يفرض نفسه علينا، لأنّه يدعونا لنسير نحوه بقلوب متواضعة ومنفتحة. فهو الذي قال، في إنجيل اليوم (يوحنا 1: 35-42)، للتلميذين: “تعاليا وانظرا” وهي دعوة بسيطة ولكنّها تحمل معنى التلاقي الحقيقيّ مع الله.
حين ندرك أنّ الله ليس بعيدًا عنّا بل هو حاضرٌ في تفاصيل حياتنا، تبدأ أعيننا بالانفتاح على الحقائق الروحيّة. هذا الإدراك لا يتطلّب فقط المعرفة، بل أيضًا استعدادًا عميقًا للتغيير.
أن نعيش الإيمان يعني أن نقبل الدخول في علاقة حيّة مع الله، علاقة تحرّرنا من الأحكام المسبقة، من الجمود الروحيّ، ومن الانهماك في أنفسنا. الله يدعونا لنراه كما هو، وليس كما نريد أن يكون.
إنّ دعوة الربّ يسوع إلينا تطلّب منّا أن نتبعه بشجاعة، لا أن نكتفي بمراقبته عن بعد. أن نعيش كما عاش هو، يعني أن نصير وجهه الحاضر في العالم، أن نحمل محبّته غير المشروطة إلى كلّ إنسان نتلاقى به. عندما نحيا بهذه الطريقة، نصبح شهودًا أحياء على وجوده وفعله في حياتنا. أليس هذا ما فعله أندراوس عندما ذهب ليخبر أخاه أنّه وجد المسيح؟ لقد حمل البشارة بفرح لأنّه شعر بعمق اللقاء مع الله.
هذا اللقاء، الذي يحوّل الإنسان من الداخل، يدعونا لنعيش التوازن في حياتنا الروحيّة. الإيمان ليس فقط معرفة أو صلاة أو عمل، بل هو انسجام بين هذه الأبعاد الثلاثة. فالذي يصلّي بصدق ويعرف الله من خلال كلمته يعمل أيضًا بمحبّة ويشهد للحقيقة في حياته اليوميّة. الله لا ينظر إلى مظاهرنا الخارجيّة، بل إلى القلب الذي ينبض بحبّه وينعكس في سلوكنا.
أن نعيش حضور الله في حياتنا يعني أن نصبح نورًا للآخرين. حين نقترب من الله، نصبح قادرين على حمل نوره إلى العالم. هذا النور ليس منّا، بل هو انعكاس لحضوره فينا. عندما نتقاسم هذا النور مع الآخرين، نكتشف أنّه يتجدّد فينا ويزداد قوّة. وهكذا نصبح أدوات حيّة في يد الله، يعمل من خلالنا ويصل إلى قلوب من حولنا.
في النهاية، دعوة الله لنا ليست عبئًا، بل فرصة للفرح الحقيقيّ. أن نعيش قربه يعني أن نجد السعادة التي لا تزول، السعادة التي تأتي من السلام الداخليّ ومن معرفة أنّنا محبوبون من الله. فهل نحن مستعدّون لترك كلّ ما يبعدنا عن هذا الفرح؟ هل نحن مستعدّون لأن نخطو نحو الله بثقة ونفتح قلوبنا له؟
كما قال للتلميذين: “تعاليا وانظرا”، هو يقول لنا اليوم: “اقتربوا، واكتشفوا محبّتي التي لا حدّ لها”.