الأحد الخامس بعد عيد الصليب

You are currently viewing الأحد الخامس بعد عيد الصليب

الخوري نسيم قسطون:

في زمن الاستعدادات الأرضيّة التي تستهلك الوقت والجهد، يقدّم مثل العذارى (متى 25: 1-13) صورةً مغايرة للجهوزيّة الحقيقية. فالحكيمات منهنّ أدرَكنَ أنّ الفرح المنتظر لا يتحقّق بمجرّد الانتظار، بل بالزيت الذي يرمز إلى ما يضيء المسيرة حتى في لحظات الظلمة. هذا الزيت هو ليست أعمالاً صالحةً تُحصى، بل حياةٌ كاملةٌ مُشبعةٌ بوعي الحضور الإلهي في اللحظة الراهنة. فالحياة اليوميّة تصير مناسبةً لملء الوعاء، واللقاء بكلّ إنسانٍ يصير فرصةً لاختبار الرحمة، وكلّ عملٍ صغيرٍ يصير شعلةً تضيف إلى مصباح القلب نوراً.

 

الغريب في الأمر أنّ الخطر لا يكمن في النسيان فحسب، بل في الاعتقاد بأنّ الوقت لا يزال ممتدّاً. فالعذارى الجاهلات كنّ مع العريس في نفس الوقت، لكنّ مصابيحهنّ كانت على وشك الإنطفاء. هكذا كثيرون منّا قد يحضرون الصلوات والطقوس، وتظلّ قلوبهم خاويةً من الزيت الحقيقي. يظنّون أنّ حضور الجسد كافٍ، أو أنّ المشاركة الشكليّة تُغني عن الاشتياق الباطنيّ. لكنّ المثل يوضّح أنّ المسألة ليست مجرّد تواجد، بل حالةٌ من اليقظة الداخليّة التي تجعل الإنسان قادراً على الانطلاق عندما تأتي اللحظة الفاصلة.

 

الاستعداد للقاء الله، وفق هذا المنطق، ليس تدريباً على الموت، بل تأهيلاً للحياة في أعمق تجلّياتها. فمن يمتلك زيت الوجود الحقيقيّ مع الله، يعيش كلّ يومٍ وكأنّه مدعوٌّ إلى وليمة العرس. لا خوف في هذه الصورة، بل فرحٌ ينتظر التحقّق. الفرح الذي ذكره بولس ليس تفاؤلاً ساذجاً، بل ثمرةٌ لعلاقةٍ حيّةٍ مع مصدر النور. من هنا، فإنّ السؤال الحقيقيّ ليس “هل لديّ زيتٌ كافٍ؟” بل “هل أنا منشغلٌ حقّاً بملء مصباحي، أم أنّي أؤجّل الاشتعال إلى وقتٍ لن يكون لي فيه من يشتري؟”.

 

في النهاية، العبرة ليست في تعداد الأعمال، بل في النوعيّة التي نعيش بها كلّ لحظة. قد نكون مشغولين بالاستعداد للعرس الأرضيّ، وننسى أنّ العريس السماويّ يدعونا كلّ يومٍ إلى وليمةٍ فيها نذورُ المحبّة والتزامٌ بالعهد. فليتنا لا نغفو ونحن نحسبُ أنّ الزيت سيأتي من آخرين، أو أنّ الباب سيبقى مفتوحاً لمجرّد أنّنا نعرف الطريق. الباب يُغلق، ليس لأنّ المحبّة تنفد، بل لأنّ الوقت المُعطى لنا لملء مصابيحنا قد انتهى.

اترك تعليقاً