الأحد الرابع بعد عيد الصليب

You are currently viewing الأحد الرابع بعد عيد الصليب

الخوري نسيم قسطون:

في قلب العلاقة بين العبد وسيّده في الزمن القديم، تكمن صورة عميقة عن معنى الوجود البشري أمام الله. فالعبد، بكلّ ما يحمله وضعه من انعدام للحرية، كان يجد حريّته مرهونة بحكمته وأمانته. هذه العلاقة لا تصوّر قمعاً فحسب، بل إمكانية فداء وخلاص. فالسيد، إن وجد في عبده الأهلية والمحبة، كان يمنحه الحرّية بل والهبات، مكافئاً إيّاه على أمانته.

هنا تتحوّل العبودية من حالة قاسية إلى مسار نحو التحرر، حيث تكون الأمانة هي الجسر الذي يعبر عليه الإنسان من حيز الامتلاك إلى فسحة الحرية.

لكن الصورة لا تكتمل دون النظر إلى الشرير، ذلك العبد الذي يظن أن غياب سيده أبدي، فيسيء التصرف ويظلم من حوله. إنه ينسى أن الساعة التي لا ينتظرها قد تأتي فجأة، فيُفاجأ بالحساب. وهنا يبرز سؤال المصير: أي طريق نسلك؟ فالبعض يستعبدون أنفسهم طوعاً لسيّد جديد قد يكون المال أو المنصب أو الشهوة، ظانين أنهم أحرار وهم في قيود لا تُرى.

في المسيحية، تبدأ القصة مع خلق الإنسان حراً على صورة الله ومثاله، لكن سوء الاستخدام لهذه الحرية، وعدم الأمانة في المحبة، قادا إلى العبودية للخطيئة. فصار الإنسان أسيراً لأقسى السادة. لكن التجسد جاء ليعيد هذه الحرية، فالمسيح، بالصليب، قدّم نموذج الأمانة الكاملة حتى الموت، محرراً الإنسان من عبودية الشر. لقد اختار بحكمة أن يبقى أميناً لمهمته، معلّماً أن الحرية الحقيقية هي التي تُكتسب في الله، لا تلك التي تقدمها حكمة العالم الزائلة.

يدعونا الإنجيل (متى 24: 45-51) إلى استثمار حرّيتنا بحكمة، بأن نكون أمناء في المهام التي أوكلت إلينا، خاصة في محيطنا الأضيق: البيت والعائلة. فنجاح المرء في الخارج يبقى ناقصاً إن لم يبدأ بالوفاء في بيته. والسؤال الذي يطرحه علينا هو: هل نحن منسجمون في شخصيتنا، أمينون في الصغير والكبير، أم أننا نعيش ازدواجية تخون دورنا كوكلاء عن الله على هذه الأرض؟

الأمانة لا تعني الكمال، بل تعني الاتساق والتعلم من الأخطاء. والحكمة ليست معرفة نظرية، بل هي مخافة الله التي تدفعنا لتحويل أخطاء الماضي إلى دروس نعيش بها حاضراً أفضل ونتجهز لغدٍ أجمل. بهذا نستطيع أن نحيا في استعداد دائم للقاء الرب، مستحقين أن نُقام على “أهل بيته”، مشاركين في حرية أبناء الله.

اترك تعليقاً