الأحد الرابع من زمن الصليب

الخوري نسيم قسطون

في إنجيل هذا الأحد (متّى 24: 45-51)، نجد بأنّنا أمام توصيفٍ لعبدين، أحدهما حكيم فيما الآخر شرّير…

في اللغة، نقيض كلمة “حكيم” هو “أحمق” فيما نقيض كلمة “شرّير” هو “صالح”…

ورد في العهد القديم، في سفر يشوع بن سيراخ، أنّ رأس الحكمة هو “مخافة الله” (يشوع بن سيراخ 1:  16) والأمانة البشريّة تستقي قوّتها من أمانة الله لوعوده الّتي حقّقها.

بالتالي، يضعنا نصّ اليوم أمام حقيقةٍ لا بدّ من وعيها وهي أنّ الافتقاد إلى الحكمة والأمانة يقود الإنسان إلى الوقوع في مصيدة الشرّ لأنّ معناه هو البعد عن الله!

الأمانة والحكمة هما صفتا العبد الّذي مدحه الربّ!

في العصور القديمة، كان العبدُ فاقدًا للحريّة ويُعتبر جزءً من ملكيّة سيّده الّذي يتحكّم بحياته وبحريّته إذ يمكنه إن رأى فيه الأهليّة وإن أحبّه كثيرًا أن يطلقه حرًّا وحتّى أن يمنحه هباتٍ أو ملكيّات. وكانت هذه الحريّة مرهونةٌ بكيفيّة تصرّفه، أي حكمته، وبمدى أمانته للمهمّات الموكلة إليه وهو ما يطرحه إنجيل هذا الأحد الّذي يُميّز ما بين “العَبْد الأَمِين الـحَكِيْم” وما بين “العَبْد الشِّرِّير” على ضوء الأمانة والحكمة:

  • العبد الحكيم يعلم بأنّ الأمانة مفتاحٌ للحريّة وبأنّ عدمها قد يؤدّي إلى بيعه لسيّدٍ أسوأ ربّما عقابًا له على أدائه!
  • العبد الشرّير يمضي حياته وكأنّه لن يصل إلى خاتمةٍ للأيّام والأوقات وبالتالي يمعن في الشرّ وفي ظلم الآخرين وكأنّه لا حسيب ولا رقيب ولا من يحاسب أو يجازي…

إنجيل اليوم يدعونا إلى إستثمار حريّتنا بحكمة ومسؤولية كي لا نبتعد عن الله من جرّاء سلوكنا ويحفّزنا لجعل أعمالنا السبيل إلى تعزيز الحرية التي حبانا بها الله نظرًا لفيض محبّته لنا!

الحكمة والأمانة يقودان إلى الحريّة والتحرّر والحياة المستقلّة!

ما يساعد الإنسان على البقاء أمينًا هو أن يكون بسلوكٍ واحد وشخصيّة واحدة في حضور السيّد وفي غيابه فيتصرّف بانسجامٍ مع الدور الموكل إليه، بينما يقتضي التمتّع بالحكمة أن يكون الإنسان قادرًا على تحويل أخطائه إلى عبر تجعله يتجنّب تكرار الأخطاء وتساعده على توجيه الآخرين إلى تجنّبها بدورهم…

نفهم من إنجيل اليوم أنّ كلّ واحدٍ منّا مسؤولٌ عن أهل بيته بما معناه أنّ المعيار الأساسي لخدمة أيّ إنسان أو لشهادته كمسيحيّ تنطلق من كيفيّة سلوكه وتصرّفاته في محيطه الأضيق أي بيته وعائلته… وهذا يعني أنّ كلّ نجاحاته لن تعني شيئاً ما لم يتمّم أوّلاً واجباته تجاه من هم أقرب إليه!

كلّ واحدٍ منّا مدعوٌّ ليقف أمام ذاته ويسأل: هل أنا عبدٌ صالحٌ أم شرّير؟!

الإجابة مرتبطة حكماً بمسار حياته وبخياراته في قلب الحياة اليوميّة بعيداً عن النّظريات أو القرارات الخياليّة البعيدة عن التنفيذ!

اترك تعليقاً