الأحد السابع من زمن العنصرة

You are currently viewing الأحد السابع من زمن العنصرة

الخوري نسيم قسطون:

منذ البداية، واجهت الكنيسة تحديًا جوهريًا يتمثل في قلّة العاملين في حقل الربّ، رغم كثرة الحصاد (لوقا 10: 1-7). هذه المعضلة ليست مقتصرة على زمنٍ معيّن، بل هي صورة متجددة في كل عصر، تعكس صعوبة المهمّة واتساعها. فالحصاد كثير، لكن الفعلة قليلون، ليس لأن الأرض عقيمة، بل لأن العاملين إمّا غائبون، أو مشغولون، أو غافلون عن دعوتهم.

المشكلة لا تكمن في نقص الفرص، بل في نظرة الكثيرين إلى الرسالة على أنها مسؤولية فئة محدودة – الكهنة أو المكرّسين – بينما هي في الحقيقة دعوة لكل من نال نعمة المعمودية. فالمسيحي، بحكم هويته، مدعوّ لأن يكون شريكًا في البشارة، سواء في بيته أو عمله أو مجتمعه. لكنّ البعض يترك المهمّة للآخرين، معتبرًا إيّاها خارج نطاق واجباته، بينما آخرون ينشغلون بهموم الحياة المادية، فينسون أن الوزنات الروحية تحتاج إلى استثمار.

لعلّ أبرز ما يعيق المشاركة الفعالة هو الخوف من عدم الكفاية أو الانشغال بضمانات الأرض. لكن الربّ يذكّرنا: “لا تَحْمِلُوا كِيسًا، وَلا زَادًا، وَلا حِذَاءً”. فالثقة بالعناية الإلهية هي أساس الرسالة، وليس التخطيط البشري أو الموارد المادية. فمن يتبع المسيح عليه أن يتخلّى عن القلق، ويضع كل رجائه في الذي أرسله، لأن النجاح ليس من صنع الإنسان، بل هو ثمرة النعمة.

كما أن اليأس قد يكون عائقًا آخر. فالبعض يتوقف عن العمل حين يواجه رفضًا أو سوء فهم، ناسيًا أن الصليب كان جزءًا من رسالة المسيح، وأن القيامة تلي الآلام. الرسالة لا تعرف الفشل، حتى عندما تبدو الثمار غير مرئية. فكل كلمة محبّة، وكل موقف غفران، وكل صلاة خالصة، هي بذور تنمو في الوقت المناسب.

ولا يُغفل خطر المصلحة المادية، الذي قد يشوّه صورة المرسَل ويُضعف مصداقيته. فالناس تنتظر من المسيحي أن يعيش ما يبشر به، خاصة في التواضع والبساطة. حين يُختزل العمل الرسولي في منفعة شخصية، يفقد قيمته ويصبح حجر عثرة للكثيرين. لذلك، على كل عامل في حقل الربّ أن يفحص دوافعه باستمرار، لئلا يتحول الخادم إلى تاجر.

لكن كيف نُعدّ أنفسنا لهذه المهمّة؟ البداية تكون بالتجذّر في كلمة الله، التي تُنير العقل والقلب. فمن لا يتغذّى منها، لا يستطيع أن يغذّي الآخرين. ثمّ يأتي دور الصلاة، التي تربطنا بالربّ، مصدر القوة. وأخيرًا، الممارسة العملية للمحبّة، لأن الإيمان بدون أعمال ميت.

اليوم، يدعونا الربّ لننظر حولنا: إلى عائلاتنا، أصدقائنا، جيراننا، وزملائنا. فكلّ بيئة هي حقل نُدعى لخدمته. قد لا نكون جميعًا رُسلًا بالمعنى الضيّق، لكننا تلاميذ مدعوون لتحمل رسالة السلام والمحبة حيثما وُضعنا. السؤال الذي يبقى هو: هل نستجيب لهذه الدعوة، أم نترك الحصاد يضيع بسبب غيابنا؟

اترك تعليقاً