ان الكم الهائل من المآسي والالام والاحزان التي حلت بأهلنا في قطاع غزة لربما تحتاج لسنوات وسنوات من اجل تضميد الجراح وبلسمتها ومن اجل تعزية نفوس الاحبة الذين فقدوا اعزاءهم واقرباءهم وابناءهم واخوتهم بسبب هذه الحرب الهمجية الظالمة.
غزة تحتاج الى فسحة من السلام والهدوء لكي يعيش ابناءها في طمأنينة ولكي تتكرس في نفوسهم وعقولهم قيم الرجاء والامل بأن المستقبل سوف يكون افضل من اليوم .
مهما تحدثنا عن محنة غزة نبقى مقصرين لان الوجع لا يوصف والالم غير مسبوق والاحزان والدموع في كل زاوية من زوايا القطاع .
المؤامرة كبيرة على غزة وهنالك أعداء منظورين وغير منظورين يتحركون لخدمة الاحتلال وبوجوه متعددة ومختلفة ولكن هدفهم واحد وهو حرف البوصلة باتجاهات غير صحيحة وحرف الجهود المبذولة من اجل الإغاثة وتضميد الجروح والبدء بإعادة الاعمار في غزة التي يجب ان تعود كما كانت سابقا واجمل ، ولكن هذا يحتاج الى الوقت والى الحكمة والى الرصانة والوعي كما يحتاج أيضا الى ان يعرف الفلسطينيون جميعا من هم اعداءهم ومن هم المتآمرين عليهم وبوجوه متعددة ومختلفة .
مشكلتنا ليست فقط مع الاحتلال ولكن هنالك أيضا من يخدمون الاحتلال وبالنيابة عنه يقومون بأفعال غير مقبولة وغير مبررة ويجب استئصال كافة المظاهر السلبية ومعالجة الوضع الفلسطيني الداخلي لكي نكون أقوياء في مواجهة التحديات والمؤامرات.
ما يتعرض له الفلسطينيون اليوم في غزة وفي الضفة وفي القدس وفي فلسطين كلها انما يتطلب من الفلسطينيين ان يكونوا على قدر كبير من الوحدة ونبذ الانقسامات ورفض مظاهر الانحرافات والتصرفات الغير مسؤولة والغير حكيمة والتي يستثمرها الاحتلال من اجل خدمة اجندته وسياساته وممارساته .
الفلسطينيون هم أصحاب اعدل قضية عرفها التاريخ الإنساني الحديث والاحرار في العالم يقفون الى جانبهم وتتسع رقعة التضامن مع شعبنا يوما بعد يوم ولكن الحالة الفلسطينية الداخلية تحتاج الى الإصلاح وتحتاج الى التغيير والتغيير ليس فقط في الوجوه او الأشخاص ، التغيير يجب ان يكون في المواقف والسياسة وفي التعاطي مع الشأن الوطني فالاحداث الجسام التي تعرض لها شعبنا أظهرت ان هنالك أشخاصا يدعون انهم مسؤولين ولكنهم فاشلين بامتياز .
يجب ان نفكر بتغيير كثير من الوجوه لكي يأتي عنصر الشباب ومن الواضح ان عنصر الشباب مهمش في حين ان شبابنا الفلسطيني يملك الكثير من الطاقات والامكانيات للنهوض بشعبنا ولانقاذ القضية الفلسطينية من اعداءها المنظورين والغير المنظورين .
نحن بحاجة الى تجديد في كل شيء مع الحفاظ على الثوابت والمبادئ الوطنية التي لا تسقط بالتقادم ، فمن اثبتوا فشلهم يجب ان يتركوا الساحة لغيرهم ونحن نقول لهم ” الله يعطيكم العافية ” ولكن لا تبقوا ملتصقين بكراسيكم فالوطن اهم من الكراسي والمناصب والمسميات بكافة اشكالها والوانها .
الشباب الفلسطيني هو الذي يجب ان يقود المرحلة القادمة وان يكون له دور في اصلاح ما يمكن إصلاحه بالتعاون مع كل انسان شريف ونظيف ووطني اصيل وما اكثرهم في هذه الديار فنحن لا نخون أحدا وليست هذه من مهامنا ولكننا نقول بأن فلسطين هي للجميع وليست لفئة دون الأخرى ويجب العمل على تجنب لغة الإساءة والتحريض والتخوين وتوزيع شهادات الوطنية ، فالمرحلة التي نعيشها تحتاج الى الجميع والى خبرة الجميع ومساعدتهم من اجل النهوض من هذه الحالة التي وصلنا اليها في ظل العدوان الغاشم وفي ظل وجود المتآمرين والمتخاذلين وفي ظل الحالة الفلسطينية الداخلية والتي تحتاج الى إصلاحات جذرية.
ما يهمنا في هذه الأيام انما هي غزة ، فعندما يكون هنالك انسان جائع وانسان مريض وانسان متألم وانسان مشرد فما يجب ان نفكر به أولا وقبل كل شيء كيف يمكن إغاثة هذه الشريحة التي عانت من حرب اعتبرها حرب إبادة بامتياز ولكنها كانت حلقة من حلقات التآمر على شعبنا بهدف تصفية هذه القضية والنيل من عدالتها.
لا يضيع حق وراءه مطالب ولن تتمكن أي قوة غاشمة في هذا العالم من ان تنال من عدالة القضية، فالفلسطينيون هم الذين سينتصرون في النهاية مهما اشتدت حدة الالام والاحزان ، فالحق يعلو ولا يعلى عليه.
المطران عطا الله حنا
رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس
القدس 20/10/2025