الخرزة الزرقاء: بين الأسطورة والحاجة النفسية للحماية

You are currently viewing الخرزة الزرقاء: بين الأسطورة والحاجة النفسية للحماية

الخرزة الزرقاء، تلك القطعة الزجاجيّة البسيطة التي تشبه عينًا تحدّق بصمت، ما تزال تحظى بمكانة راسخة في المخيال الشعبي لعدد من شعوب الشرق الأوسط، وتركيا، واليونان. نراها معلّقة في المنازل، متدلّية من المرايا، على معاصم الأطفال، أو مرفقة مع هدايا المواليد وافتتاح المحال، في تقليد يهدف إلى درء “العين” وصدّ الحسد.

أصول تاريخية عميقة

ليست هذه المعتقدات حديثة الولادة، بل تمتد جذورها إلى حضارات قديمة كالسومريين والمصريين. فقد استخدم المصريون مثلاً رمز “عين حورس” كتميمة للحماية من الأرواح الشريرة، في تعبير واضح عن حاجة الإنسان الدائمة إلى طمأنة نفسه تجاه المجهول. هذا الميل الفطري للاستعانة برموز مادية من أجل صدّ ما لا يُرى، تجلّى بأشكال متعددة، من النقوش على المعابد إلى خرزات تُعلّق كتمائم.

اللون الأزرق وسحره الرمزي

في الأناضول العثمانية، اتخذت الخرزة شكلها المعروف اليوم: زجاج أزرق لامع يتوسطه شكل عين. لم يكن اللون الأزرق اختيارًا عبثيًا؛ فقد ارتبط هذا اللون في المخيلة الشعبية بـ”الطاقة الوقائية”، وقدرته الغامضة على امتصاص الشرور. وربما لأن العيون الزرقاء كانت نادرة في المنطقة، فقد اعتُبرت رمزًا للحسد نفسه. وهنا يظهر المنطق الدائري الساحر: نحارب “العين الزرقاء” بعين زرقاء مضادة – في شكل خرزة!

ما وراء الاعتقاد

الخرزة الزرقاء، كغيرها من الرموز الشعبية، قد لا تكون فعالة علميًا، لكنها تؤدي وظيفة نفسية واجتماعية مهمّة. إنها تجسيد لرغبة بشرية قديمة في التحصّن ضد الأخطار الغامضة، ومحاولة لترتيب الفوضى اللامرئية في العالم الخارجي. وقد تكون أيضًا رمزًا ثقافيًا وهوية مشتركة، أكثر من كونها وسيلة “سحرية” فعليّة.

بين الواقعي والرمزي، تقف الخرزة الزرقاء كمرآة لحاجة الإنسان الدائمة إلى الطمأنينة في وجه المجهول، ورغم أنها لا ترد الحسد بالمعنى الفيزيائي، إلا أنها تمنح حامليها إحساسًا بالراحة والأمان. وفي النهاية، قد يكون هذا كل ما يحتاجه المرء أحيانًا.

اترك تعليقاً