الخوري قسطون لموقع شرقنا: سيلاقي البابا شعبًا يرزح تحت وطأة الفقر وهجرة لا ترحم

You are currently viewing الخوري قسطون لموقع شرقنا: سيلاقي البابا شعبًا يرزح تحت وطأة الفقر وهجرة لا ترحم

زينا خليل-

هي زيارةٌ إلى ربوع لبنان، هذا الوطن الذي قدّم الكثير من التضحيات حفاظًا على أرضه المجبولة بدماء أطفال قانا وأهلها في الجنوب. إنّ الحبر الأعظم القادم إلى هذا الوطن يقف أمام صورةٍ معقّدة مليئة بالتحدّيات، ما يطرح تساؤلات حول الأثر الذي ستتركه زيارته في نفوس اللبنانيين. ومن هنا كان لنا مقابلة مع الأب نسيم قسطون لموقع شرقنا حول دلالات هذه الزيارة وأبعادها الروحية والوطنية. 

وتكتسب هذه الزيارة أهميّتها في ظل الأوضاع الدقيقة التي يمرّ بها لبنان، إذ تحمل في طيّاتها رسالة دعمٍ معنويّ وشهادة تضامن مع شعب ينهض رغم الجراح. كما تشكّل فرصة للتأكيد على الدور الإنساني والحضاري الذي لطالما ميّز لبنان في محيطه.

ما التحديات التي قد يواجهها البابا خلال زيارته إلى لبنان، سواء على الصعيد الديني أو الاجتماعي أو السياسي؟

تحلّ الزيارة البابوية في لحظة دقيقة، تتشابك فيها خيوط السياسة والاجتماع والروح، لتضع الحبر الأعظم أمام لوحة معقّدة من التحديات. فلبنان، هذا الوطن المتأرجح على حافة الأزمات، يستقبل الزائر الأبيض وسط عواصف لا تهدأ.

سياسيًا يجد الفاتيكان نفسه في ميدان ملغّم بالخلافات اللبنانية العميقة حول قضايا مصيريّة كالسلاح والسيادة، بينما تلقي مواقف الكرسي الرسولي من أحداث غزة بظلالها على العلاقة المتوترة مع إسرائيل. أما التوترات الإقليمية والمناوشات اليومية، فهي تحوي من دون شكّ تهديدًا دائمًا، ولكنّه، وفق معظم المصادر، لن يؤثّر على مرور الزيارة بسلام.

إجتماعيًا، سيلاقي البابا شعبًا يرزح تحت وطأة الانهيار الاقتصادي والفقر المتفشّي وهجرة لا ترحم. اللبنانيون، وخصوصًا المسيحيين منهم، لا ينتظرون كلمات طيّبة فحسب، بل يتوقون إلى دعم ملموس يلامس جراحهم اليومية. فالكثيرون فقدوا الثقة في الزيارات الرمزيّة للمسؤولين – الرّوحيّين أو السياسيّين – وصرخاتهم واضحة عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتعبيرها عن خيبة الأمل من غياب خطوات عملية واستراتيجيات واضحة لمواجهة الأزمات المتلاحقة.

روحيًا، التحدّي لا يقلّ تعقيدًا. فالمجتمع المسيحي نفسه يعاني من انقسامات داخليّة – خاصّةً سياسيًّا – زادتها الأزمات حدّة، فيما تتصاعد أصوات تيارات متطرّفة تهاجم البابا وتعاليم الكنيسة دون رادع.

في المقابل، يبقى تعزيز الحوار مع المرجعيات الإسلامية ضرورة ملحّة ودائمة للحفاظ على تميّز لبنان ورسالته في المنطقة وفي العالم.

إنها زيارة لا تشبه سابقاتها، لا في التوقيت ولا في التحديّات، ولكن يبقى الرّجاء في أن تكون هذه المحطة بداية لنبض جديد في قلب لبنان المتعب.

ما الأهداف المرجوّة من زيارة البابا للبنان، وكيف يمكن أن تساهم في تعزيز الحوار بين الطوائف الدينية؟

تحمل الزيارة سلسلة أهداف روحيّة ووطنية، أبرزها تثبيت الرّجاء عبر التضامن مع الشعب اللبناني بكل مكوّناته، وإحياء هوية “لبنان الرسالة” بوصفه نموذجاً للتعدّديّة وللعيش المشترك.

لا بدّ من التوقّف أمام اختيار لبنان كأوّل بلد يستضيف زيارة رعويّة للبابا لاون الرابع عشر. هذه الخطوة المميّزة تندرج في سياق الحرص الفاتيكاني الدائم على وحدة وتماسك لبنان ستساعد طبعًا على إعادة وضع الأزمة اللبنانية على الخارطة الدولية وحثّ المجتمع الدولي على عدم التخلي عن لبنان، إلى جانب توجيه نداء أخلاقي واضح للقيادات السياسيّة لتحمّل مسؤولياتها وتطعيم عمل المؤسسات الدستورية خلال اللقاءات مع السلطات، وممثلي المجتمع المدني، والسلك الدبلوماسي.

نرجو أيضًا أن تحمل اللقاءات مع البطاركة الكاثوليك والأساقفة والكهنة والمكرّسين والعاملين في الرعويّات دعوةً لرسم استراتيجات كنسيّة تساهم عمليًا في تخفيف عبء المعاناة لدى شعبنا عبر خطوات عمليّة أقوى من تلك التي شهدناها حتى الآن وكان منها العديد من المبادرات الفرديّة التي أثبتت فعاليّتها والتي يمكن البناء عليها لتحقيق مشاريع وجوديّة تعزّز صمود من بقي في لبنان.

أمّا أبرز اللقاءات فهي الزيارة للطاقم الطبي والمرضى في مستشفى راهبات الصليب – جل الديب والزيارة إلى موقع انفجار مرفأ بيروت وهي ستؤكّد على أهميّة القيم الإنسانية المشتركة مثل الكرامة، العدالة، والأخوّة.

ومن الضروري أن يشكّل اللقاء مع الشباب فرصةً لهم للتعبير عمّا يعتمرهم من إرادة للتغيير والتجديد عبر حوار يعيد إليهم الرّجاء عبر تمهيد السبل لخريطة طريق نحو غدٍ أفضل.

اللقاء المسكوني والحواري بين الأديان سيشجّع على التأكيد على مبادئ المواطنة وسيساهم في تخفيف حدّة الانقسامات الطائفية وتهيئة مناخ إيجابي يفتح الباب أمام مبادرات حوار لاحقة.

لكن لا بدّ من الإشارة إلى أنّ البابا لا يحمل حقيبة حلول سحريّة لأنّ التغيير والتجديد الحقيقيّين ينبعان من إرادة وسعي الناس إليهما كما يعلّمنا شفيع الرهبنة التي ينتمي إليها البابا، القدّيس أغوسطينوٍس: “إنّ الله الّذي خلقك دون إرادتك، لا يستطيع أن يخلّصك دون إرادتك”!

كيف يمكن للمجتمع اللبناني والمجتمع المسيحي داخله الاستفادة من هذه الزيارة على الصعيد الروحي والثقافي؟

تمثّل الزيارة فرصة لإعادة شحن الروح الوطنية والروحية في بلد أنهكته الأزمات.

على المستوى الروحي، توفّر جرعة معنوية قوية للمجتمع اللبناني عموماً وللمسيحيين بشكل خاص، من خلال تعزيز الإيمان والرجاء والدعوة إلى المصالحة وتجاوز الانقسامات عبر العودة إلى جذور الإيمان كصخرة لمواجهة التجارب وهو ما تمثّله الزيارة والصلاة عند ضريح القديس شربل مخلوف في دير مار مارون – عنايا.

ثقافياً ووطنياً، تعيد الزيارة التأكيد على الهوية اللبنانية المتعدّدة، وعلى الدور التاريخي للمسيحيين في صياغة النموذج اللبناني القائم على الانفتاح والحوار. وقد تسهم أيضاً في تنشيط السياحة الدينية وإبراز التراث المسيحي الشرقي كجزء أساسي من الهوية التاريخية للبنان وهو ما يمكن أن يعزّزه إعلان مقام مار شربل مزارًا مسيحيًا عالميًا كما بدأ يتردّد إعلاميًّا.

ما الرسائل التي يُتوقع أن يحملها البابا حول السلام والوحدة الوطنية والأوضاع الإنسانية في لبنان؟

من المنتظر أن يركّز البابا على رسالة سلام تدعو إلى الحوار بدلاً من العنف، وإلى حلول عادلة تضع الإنسان في المركز، بعيداً عن منطق الصراعات والسلاح. وعلى مستوى الوحدة الوطنية، سيشدّد على ضرورة تجاوز المصالح الضيقة، والعمل لإنقاذ الدولة ومؤسساتها، مؤكداً أن التعددية اللبنانية ليست عبئاً بل ثروة يجب الحفاظ عليها.

أما إنسانياً، فمن المرجّح أن يركّز على معاناة اللبنانيين في ظل الانهيار الاقتصادي، داعياً إلى تضامن دولي فعّال وإلى تعزيز العدالة الاجتماعية ومكافحة الفساد الذي ينهش أسس الصمود ويقوّض مستقبل الشباب. وكما في كلّ زيارة بابويّة، قد تحمل الزيارة أيضاً رسائل واضحة لدعم الفئات الأكثر هشاشة، بمن فيهم الفقراء والمهمّشون.

اترك تعليقاً