السلوكيات البسيطة ودلالاتها العميقة في القيادة والتمييز المهني

You are currently viewing السلوكيات البسيطة ودلالاتها العميقة في القيادة والتمييز المهني

كثيرًا ما تختزلُ المواقف البسيطة في ظاهرها دلالات عميقة على مستوى السلوك الإنساني والقدرة على القيادة والتفاعل الاجتماعي. وتُعدّ القصة المنسوبة إلى الصناعي الأمريكي الشهير “هنري فورد” مثالًا بليغًا على هذا المعنى، إذ يروى أنه حين أراد اختيار أحد الشابين المتخرجين من الجامعة ذاتها والتخصص نفسه لتولي منصب في شركته، دعا كليهما إلى العشاء، ومن ثم اختار أحدهما ورفض الآخر دون أن تكون هناك مقابلة تقليدية أو نقاش مهني مباشر.

وعندما سأل الشاب المرفوض عن سبب استبعاده، أجاب فورد بجواب يحمل في طياته عمقًا إداريًا وأخلاقيًا: السبب الأول أن زميله تذوّق الطعام قبل أن يضيف إليه الملح، بينما هو أضاف الملح قبل التذوّق، ما يدل على استعداد الأول لتجريب الأمور قبل الحكم عليها أو تغييرها، وهي صفة جوهرية في من يُنتظر منهم اتخاذ قرارات مسؤولة. أما السبب الثاني فتمثّل في احترام الزميل للنادلين وتعامله الإنساني معهم، إذ كان يقول “شكرًا” و”عذرًا”، بينما لم يُبدِ الشاب المرفوض أي احترام للعاملين في المكان، وكان تركيزه محصورًا على فورد وحده، ما دلّ على أن لباقة سلوكه كانت انتقائية وليست أصيلة.

تُبرز هذه القصة أهمية التفاصيل السلوكية في تقييم الأفراد، خاصة أولئك الذين يُرشّحون لأدوار قيادية أو إدارية. فالسلوكيات البسيطة ـ كالتأني قبل الحكم، واحترام الآخرين مهما كانت مواقعهم ـ تكشف عن سمات شخصية راسخة، كالتواضع، واللباقة، والقدرة على الإنصات والتفكير النقدي، وهي سمات لا تقل أهمية عن المؤهلات الأكاديمية أو المهارات التقنية.

 فالقائد الناجح لا يُقاس فقط بما يحمله من علم أو شهادة، بل بما يُظهره من وعي إنساني وسلوك راقٍ في أبسط المواقف. فحياتنا اليومية، بما تحويه من تفاعلات عفوية، كفيلة بأن تكشف عن طبيعة الإنسان ومعدنه الحقيقي، الأمر الذي يستدعي منا جميعًا أن نُعير انتباهًا أكبر لتصرفاتنا، لأنها قد تكون رسائل صامتة تعبّر عنّا أكثر مما نفترض.

اترك تعليقاً