يُعدّ الأباتي جبرايل قرداحي أحد أعمدة النهضة اللغوية في لبنان، وجَدّ الإعلامي المعروف جورج قرداحي، الذي استلهمت عائلته إرثًا ثقافيًا غنيًا. وُلِد قرداحي عام 1845، وعكف طوال حياته على دراسة اللغة السريانية وآدابها، ليصبح من أبرز حماة هذه اللغة العريقة التي توارثها المسيحيون في لبنان وسوريا.

أبرز أعماله كان قاموس “اللباب” (بارليبو)، القاموس السرياني-العربي الشهير، الذي طُبع لأول مرة في بيروت عام 1891. هذا العمل لم يكن مجرد قاموس عادي، بل أداة حيوية ساعدت في الحفاظ على السريانية ونقلها للأجيال الجديدة، مع تقديم معجم شامل يوضح جذور الكلمات ومقابلاتها العربية بدقة وعمق.

إلى جانب قاموسه، كان جبراييل قرداحي مؤسسًا حقيقيًا لنهضة اللغة السريانية في لبنان، حيث عمل على تعليمها ونشرها بين الشباب والرهبان، ونظّم حلقات دراسية وورش عمل لغوية أدت إلى إحياء اهتمام بالتراث السرياني في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

تميز قرداحي بأسلوبه المنهجي والدقيق، وهو الذي جمع بين الدراسة العلمية والتطبيق العملي، فكان يسعى دائمًا إلى أن تكون اللغة حية ومتصلة بالواقع الثقافي والاجتماعي. كما ترك إرثًا من المخطوطات والمقالات التي تدرس تاريخ اللغة وآدابها، مما جعله مرجعًا لا غنى عنه للباحثين والطلاب المهتمين بالسريانية.

يُذكر أن إرثه اللغوي والثقافي لم يقتصر على اللغة فحسب، بل ساهم أيضًا في تعزيز الوعي الوطني والثقافي في لبنان، حيث شكل نموذجًا للمثقف المتفانِي في خدمة المعرفة والحفاظ على الهوية اللغوية.

بهذا، يظل الأباتي جبرايل قرداحي شخصية محورية في تاريخ الثقافة اللبنانية، يجمع بين العبقرية العلمية والشغف بالحفاظ على التراث، ليبقى اسمه خالدًا في ذاكرة اللغة السريانية وقلوب المهتمين بها.