المحبّةِ…

You are currently viewing المحبّةِ…
إذا أردنا أن نُبليَ بَلاءً حَسَنًا في هذه الحياة، ونذهبَ إلى الفردوس، وندعوَ إلهَنا حبيبًا وأبًا، يجب أن نمتلكَ المحبَّةَ بِنَوعَيْها: محبّة اللهِ ومحبّة قريبِنا. إنّه لَمِن الطّبيعيّ أن نمتلكَ هذَين النّوعَين من المحبّة، ومن غير الطّبيعيّ ألّا نمتلكَهُما. فكما يحتاج طائرُ السّنونو إلى جناحَين لكي يطيرَ في الجوّ، كذلك نحتاج نحن إلى هذَين النّوعَين من المحبّة، لأنّنا، من دونهما، لا خلاصَ لنا.
لِنَمتَلِكَنَّ، إِذًا، المحبّةَ نحو الله ونحو إخوتنا البشر. وعندئذٍ، يأتي اللهُ، ويمنحُنا الفرحَ، ويغرسُ في قلوبنا الحياةَ الأبديّةَ، فنُبلي بَلاءً حَسَنًا في هذه الحياة، ونذهبُ إلى الفردوس حيث الفرحُ الأبديُّ.
طوبى للإنسانِ الّذي يمتلكُ هذين النّوعَين من المحبّة: محبّة الله ومحبّة الإخوة. فهو يقتَني اللهَ بالتّأكيد؛ ومَن لَهُ اللهُ، فهو يمتلكُ كلّ البركات، ولا يُطيق أن يرتكب أيَّ خطيئةٍ. أمّا الإِنسانُ الشَّقِيُّ فَهُوَ الّذي لا يمتلكُ هذَين النّوعَين من المحبّة، لأنّه اقتَنى الشّيطانَ والشّرَّ حُكمًا، لذلك يخطَأُ دائمًا. يا إخوتي، يطلبُ اللهُ منّا أن يكون لنا هذَان النّوعان من المحبّة. كما يقولُ هو نفسُه في إنجيله المقدّس: «بِهَاتَيْنِ ٱلْوَصِيَّتَيْنِ يَتَعَلَّقُ ٱلنَّامُوسُ كُلُّهُ وَٱلْأَنْبِيَاءُ». بِهاتَينِ المَحَبَّتَينِ بلغَ جميعُ قدّيسي كنيستِنا، رجالاً ونساءً، القداسةَ، ونالوا الفردوسَ. مَن يمتلكْ محبّةً مبارَكةً، أوّلًا للهِ، وثانيًا لأخيهِ المسيحيِّ، يصبحْ مستحقًّا لأن يستقبلَ الثّالوثَ القدّوسَ في قلبه.
إن أردْتُم أن تخلُصُوا، فلا تسعَوا إلى أيّ شيءٍ في هذا العالَم بقدرِ سَعْيِكُم إلى المحبّة.
اعلمُوا، يا إخوتي، أنّ للمحبّةِ خاصيّتَين، عَطِيَّتَين. إحداهُما تقوّي الإنسان على فعلِ الخير، والأخرى تُبعِدُه عن عملِ الشّرّ. إن كان لي رغيفُ خبزٍ آكلُه وليسَ لكم ما تأكلُون، عندئذٍ، تقولُ لي المحبّةُ: لا تأكلْهُ وحدَك، أعطِ بعضًا منه لإخوتِك، وكُلْ أنتَ الباقي. وإن كانَ لي ثيابٌ، عندئذٍ، تقول لي المحبّةُ: أعطِ ثوبًا لأخيك، والبِسْ أنتَ غيرَه.
إنّني أفتح فمي لِأَدينَك، أو أقولَ لك الأكاذيبَ، أو أخدعَك؛ ولكنّني أستذكرُ حالًا المحبّةَ الّتي تُخرِسُ شَفَتَيَّ، ولا تسمحُ لي بقول الأكاذيب. أمدّ يدي لِآخذَ ما يَخُصُّكَ، أموالَك، ممتلكاتِك كلَّها. لا تسمحُ لي المحبّةُ بِأخذِها. يا إخوتي، هل تَرَوْنَ ما هي عطايا المحبّة؟
أمّا مَن يكسبُ منكم قوتَه بِتعبه وعرق جبينه، فينبغي له أن يفرحَ، لأنّ ذلك القوتَ مُبارَكٌ؛ وإن أعطَيْتُم قليلًا منه كَصَدَقَةٍ، فإنّها تُحسَبُ لكم كثيرًا. أمّا الّذين يعيشون في الظُّلم والجَشَع، فيجبُ عليهم أن يحزَنوا، لأنّ ما يكسبونَه ملعونٌ؛ وإن أعطيتُم منه صدَقةً، فلن تنفعَكُم مطلقًا، لأنّها نارٌ آكلةٌ بالنّسبة إليكم.
لقد نالَ الشّهداءُ الفردوسَ بِدمائِهم؛ ونالَ النّسّاكُ الفردوسَ بِحياتهم النّسكيّة. والآن أنتُم يا إخوتي، يا من لديكم أولادٌ، كيف ستنالون الفردوسَ؟ بِحُسنِ الضّيافة، عبرَ مساعدةِ إخوتكم الفقراء، والعميان، والعُرج، وخدمتِهم.
(من تعاليم القدّيس قُزما الإيتوليّ)

اترك تعليقاً