المسيحي في مواجهة لصق عجينة العروس تعليق نضوة الحصان والحذاء في آخر السيارة

You are currently viewing المسيحي في مواجهة لصق عجينة العروس تعليق نضوة الحصان والحذاء في آخر السيارة
الأب جوزف خليل-
بعد أن تأملنا في خطورة التبصير في الفنجان وتعليق الخرزة الزرقاء، نأتي الآن إلى مظاهر أخرى أكثر وضوحًا في بيوتنا وطرقنا، لكنها لا تقلّ خطرًا على الإيمان: تعليق عجين ممزوج بالنقود على باب المنزل، تعليق نضوة الحصان، وتعليق الحذاء في الجهة الخلفية من السيارة.
ممارساتٌ توارثها الناس كأنّها “بركة تقليدية” أو حماية معتادة، وهي في حقيقتها سقوطٌ صامت في هاوية الانفصال عن الإيمان، إذ تنقل قلب الإنسان من الاتكال على الرب إلى الاتكال على رموزٍ لا تمتّ بصلةٍ إلى سرّ الخلاص المسيحيّ، وتفتح الأبواب لأوهامٍ تقطع الشركة مع نِعَم الله، وتستبدل حضور المسيح الحيّ بإشارات ميّتة لا تحمي ولا تخلّص.
فما يُزرَع في القلب من شكّ لا يبقى مجرّد هاجسًا داخليًا، بل يتجسّد في ممارسات تُترجم إلى تعلّق بما تصنعه الأيدي. وهنا تكمن الخطورة الحقيقيّة: إذ يتحوّل القلق إلى طقس، والخوف إلى عبادة رموز، فيعلّق الإنسان العجين زارعاً فيها النقود على عتبة منزله، وتُعلَّق الأحذية ونضوات الخيل في مؤخرة السيارة، كأنّها مصادر للبركة، والحماية، والخلاص من الشرّ.
ليست هذه أفعالًا بريئة، بل شرائع بديلة تُكتب على أبواب البيوت، وتُمحى بها شريعة الله المنقوشة في القلوب. هي منافذ حقيقية إلى عالمٍ خفيّ، يُنكَر فيه وجه الله، ويُشوَّه فيه الإيمان، وتُسلَّم فيه النفس لقوى الظلمة المقنّعة. يقول الربّ بمرارة على لسان نبيّه: “قد هلك شعبي من عدم المعرفة” (هوشع ٤: ٦)، لأنهم بدل أن يثقوا بمن قال: “لا تخف، أنا معك” (إشعيا 41: 10)، ألقوا رجاءهم على رموز لا تحيي ولا تخلّص، على حجارة وحديد وأوهام. فمن يفتح قلبه لمثل هذه الممارسات، إنما يفتح بيته للظلمة، ويُدخل إليه أرواحًا نجسة تتنكر برداء العادة والتقاليد، لكنها في جوهرها رفضٌ صامت لسيادة الله، وخيانة خفيّة لعهد الثقة به.
حين يعلّق الإنسان على باب بيته قطعة عجين ممزوجة بالنقود، أو نضوة حصان على العتبة، لا يفعل ذلك كتقليد عابر، بل يكرّس مدخل بيته لطقس لا يُعلَن، وكأنّ الدخول إلى المنزل لا يكتمل إلا بهذه الإشارة السحريّة. يُظنّ أن هذه الرموز تجلب الرزق، وتطرد الشرّ، وتكسر العين…
كأنّ البركة تُنتَزع بحيلة، وكأنّ النعمة تُعلَّق على الحائط، وكأنّ الحديد يحرس ما يعجز الله عن حمايته! وقد نمارس هذه الطقوس بسذاجة أو من باب الاحتياط، لكن في عمقها انزلاق لاهوتي خطير، إذ تُفرغ البركة من مصدرها الحقيقي، الله الحيّ، وتحوّل الدخول إلى البيت من فعلٍ بسيط مغمور بالثقة الإلهية، إلى عبور مشروط بطقسٍ شعوذيّ، كأنّ الكوارث حتميّة إن لم تُعلّق هذه الرموز على الأبواب.
يا لها من عبودية مقنعة، وخضوع لقوى موهومة، واستبدال لوجه الله الحامي بجماد صامت لا يخلّص. فالكنيسة تعلن بوضوح في التعليم المسيحي: “كلّ أشكال العرافة مرفوضة… وهي تتعارض مع التكريم الواجب لله وحده” (§2116). في هذه الطقوس، لا ننظر إلى الله القادر الذي يحمينا “من كل شر” (مزمور 121:7)، بل نميل إلى اعتقاد أن للجماد قوة مستمدة أو مستقلة. وهنا تكمن الخطيئة العميقة: إنها تحويل أدوات محايدة إلى آلهة صغيرة، تنزع من الله وحده المكانة التي له في حياتنا.
المسيحي لا يُعلّق عجينًا على بابه، بل رجاءه على الرب. ولا يُدخِل البحبوحة والبركة مع النقود، بل مع الكلمة التي تقول بوضوح: “لا تقدرون أن تعبدوا الله والمال” (متى 6، 24). فالبركة لا تكمن في قبضة عجين تُعلّق، بل في الصلاة الصادقة التي تستدعي حضور الربّ في البيت، فيتحوّل البيت المنزليّ إلى مزار مقدّس ينبض بالحياة والنعمة.
هذه العادات ليست من عاداتنا المسيحيّة، ولا تنبع من تعاليم آبائنا القدّيسين، بل هي ممارسات موروثة من ديانات ومجتمعات غير مسيحيّة. إنها بوّابات تُفتَح فيها الروح، عن غير وعي، لقوى خفيّة لا تُرى، واستدعاء غير مباشر لأرواح شريرة، وخضوعٌ لطقوس تنكّرت بثوب العادة، تحمل في جوهرها نداءً للعتمة والضياع. رغم بساطتها الظاهرية، إلا أنّها في جوهرها انحدار إلى عالم الظلمة والسحر، واستدعاء قوى غامضة لا صلة لها بالله الحيّ.
فأي بركة هذه التي تُعلّق؟ وأي حماية تُوكَل إلى عجين ونقود وحديد؟
الإيمان المسيحي الحقيقي لا يُختزل إلى تعويذات أو تمائم، ولا تتجسّد قوّته في مواد تُعلّق وتُحمَل. الإيمان يُعلَّق بالصليب، بالصورة المقدسة، بالأيقونة، حيث يسكن الرب، ويتجلّى الفداء، وتُعلن النعمة. فما من حديدٍ يحمي من الشرّ، ولا من جمادٍ يدفع الغضب والحسد، بل “الربّ حصن حياتي، ممن أخاف؟” (مزمور 26، 1).
بدل أن نلجأ إلى العجين والنقود والحديد، فلنلتحم بالإيمان، ولنجعل الصليب حصننا وسندنا، لأنّ الله هو الحارس الحقيقي، يبارك لا بالماديات، بل بحضوره في كنيسته، وبكلمته التي تضيء ظلمات القلب. “إن لم يبنِ الربّ البيت، فباطلًا يتعب البناؤون” (مزمور127، 1). فليكن اتكالنا عليه وحده، لا على وسائل البشر التي لا تقدر أن تحمي الروح.
إيماننا يدعونا إلى رفضٍ قاطع لكلّ أشكال الشعوذة وامتداداتها، لا إلى ممارستها، أو التهاون معها، بل إلى اقتلاعها من جذورها، نزعها فورًا من بيوتنا، ومحوها تمامًا من معتقداتنا. فهي دخيلة على المسيحيّة، غريبة عن إيماننا، وسمٌّ روحيّ مقنّع بثوب العادة. فلا تعويل على مادّة، ولا رجاء في رموز، بل على الله الحيّ وحده، على صليب المسيح الذي يحرس، وعلى الروح القدس الذي يمنح السلام الحقّ والبركة التي لا تُنتزع.
فلتكن بيوتنا وسيّاراتنا مزيَّنة بالصليب، مكلّلة بالأيقونات، ومحمية بالرموز المقدّسة التي تمنحها لنا الكنيسة، لا ملوّثة بتعاويذ، ولا مسكونة بأشياء لا تمتّ بصلة إلى الإيمان المسيحي ولا إلى رموزه وشعائره. فالحياة لا تُستمدّ من إشاراتٍ غامضة أو طلاسم باطلة، بل من الرموز المباركة التي تكرّسها لنا الكنيسة بيد كهنتها، وتغمرنا من خلالها بنعمة الربّ وحمايته.
إن الرغبة في السيطرة على المستقبل هي جوهر هذه الخطيئة التي تتجسّد في ممارسات مثل قراءة الفنجان، وتعليق الخرزة الزرقاء، وربط العجين مع النقود، وتعليق نضوة الحصان، وتعليق الحذاء في السيارة أو على الأبواب.
المسيحي المؤمن لا يسعى لمعرفة ما سيأتي، بل يتكلّ على الله وحده، خالق الزمن وصانعه، الذي يحمل بيديه مفاتيح الحياة والموت. لا يفتّش عن “علامة” في أي فنجان ناشف، بل ينير دربه بكلمة الله الحيّة: “كلمتك مصباح لخطاي ونور لسبيلي” (مزمور 119، 105).
لا يتساءل: “من حسدني؟” أو “كيف أصدّ شرّ العين؟”، بل يشيد حصنه بالإيمان المتين، متسلحًا بصليب المسيح وبالأسرار المقدّسة التي تغذي روحه، فينمّي في قلبه نور النعمة الحيّة التي تحصنه وتحفظه من كل ظلمة، عالمًا أنّ “الضيقات تنشئ صبرًا، والصبر تزكية، والتزكية رجاء” (رومة 5، 3–4).
علينا ان ننتبه، أن الشرير لا يأتي دائماً مكشوفاً، بل يزرع خُرافة وهمية تحت قناع الأمان. من يحمل معه حذاءً معلقاً أو يضع عجيناً على الباب، قد يظن نفسه في مأمن، لكنه في الحقيقة في أسر قيد، يبعده عن نور المسيح.
فمن يعيش في ذعرٍ من “العين” و”الحسد” و”الطاقة السلبية” وسائر أوهام الشعوذة، إنما يرزح تحت نير عبودية خفيّة، تُقيّده بسلاسل الخوف وتُطفئ فيه نور الثقة بالله. إنّه عبدٌ لظلالٍ شريرة كاذبة، تتسلّل إلى قلبه لتخنق فيه الإيمان وتُبدّد فيه فرح البنوة.
أمّا المسيحي، الذي لبس المسيح في المعمودية، فقد مات عن العبوديّة والظلمة، وتحرّر بنعمة الفداء، إذ دُفع ثمن حريّته على الصليب، بدم الحمل البريء الذي سحق رأس الشرير إلى الأبد. فلا موضع في قلبه لتمائمٍ ملؤها الشرّ، ولا لشعوذاتٍ تُعلَّق، ولا لرموزٍ شيطانية تُستدعى من دياناتٍ غريبة عن المسيحية، لأن الربّ وحده هو ملجأه وذخره.
فلنفحص ضميرنا، ونسأل ذواتنا:
– ما بال بعض المسيحيين لا يريدون أن يتخلّوا عن تعليق العجين والنقود، ونضوة الحصان، وربط الحذاء في سيّاراتهم؟! أَما يدركوا أن هذه الرموز لا تنتمي إلى تعاليم كنسية الله ووحيه، ولا تمتّ إلى سرّ الإيمان المسيحي بصلة؟! أَبهذا نُعبّر عن ثقتنا بالرب، أم نكشف عن قلبٍ لا يزال أسير الخوف والخرافة؟
– كيف لنا، نحن الذين اعتمدنا بالمسيح، أن نتبنّى رموزًا دخيلة لا تمتّ إلى إيماننا بشيء؟
– كيف نُبدّل سرّ خلاصنا بعلاماتٍ تُشبه الأصنام؟ أو حتى نضعهم مع بعض؟
– كيف نلجأ إلى قراءة فنجانٍ، أو نركض إلى البصّارة والشيوخ من اجل الغيب أو لربط الشرّ وفكّه؟
– كيف نربّي أولادنا على الإيمان، ثمّ نعلّمهم أن الحماية تأتي من خرزةٍ أو عجينةٍ أو تميمةٍ او من ربطة حذاء لا تمتّ بصلة لهذا الإيمان؟
– كيف نطلب اللجوء إلى يسوع المخلّص، تحت كنف كنيسته، ثم نُزيّف الإيمان برموزٍ غريبة لا سلطان لها ولا نعمة فيها؟!
عارٌ علينا، نحن الذين خُتمنا بروح الربّ، أن نخلط بين الصليب، ينبوع كلّ نعمة ومصدر كلّ قوة مقدّسة، وبين رموزٍ باطلة تجذب إلينا الشرّ ولا حياة فيها.
في ختام هذا القسم، أقف وأدعو لك أن تواجه الحقيقة بلا مواربة، كسيفٍ حادّ يقطع الأوهام والذنوب الموروثة التي تسلّلت إلى أعماق بيتك وروحك، تلك التي ترتدي ثوب البركة والعادة لكنها في حقيقتها دنسٌ يلوّث إيمانك.
أسألك وأتمنى من قلب أبوي صادق أن تكون مستعدًا، بكلّ صرامة ومحبة، لأن تزيل عن نفسك وعن كل من تحبّ، كلّ ما لا يليق بالقدّيسين. أتمنى أن تملك الجرأة لتقطع كلّ الغشاء الخادع الذي يغشي العيون عن نور الحقّ، وأن تجرؤ على أن تنير دروب الذين يسيرون في ظلمة الأكاذيب، وتعيدهم إلى نور الكنيسة الذي لا ينطفئ.
أرجو أن تستجيب لصوت الكنيسة المقدّس الذي يدعوك لترك ونبذ هذه المعتقدات الزائفة، ولا تبقى متشبّثًا بتلك الشعوذات المؤذية التي تسرق بنوّتك للآب “الضابط الكلّ” وتنزع السلام من حياتك وتغتال البركة. فليكن خيارك التحرر الحقيقي بالثقة في الله، لا الانقياد الأعمى إلى الظلمة التي تلبس ثياب النور.
أدعو لك أن تكون دعوتك من منطلق الراعي الذي يحبّ ويريد خلاص شعبه، وتحرير النفس من كلّ ما يكبّلها ويهلكها.
لنواصل مسيرتنا في القسم الرابع، حيث نواجه ممارساتٍ خطيرة تتقن التخفّي بثياب النور، وتندسّ في قلوب المؤمنين تحت اسم الصلاة، لكنها في حقيقتها ليست سوى شعوذة مقنّعة. نقف الآن أمام ما يُسمّى “صلاة الرقوة”، و”صبّ الرصاص”، وطقوس أخرى تزحف خلسة إلى بيوتنا كأنّها وسائط للشفاء، بينما هي أبواب خفية تُفتح على قوى لا تنبع من الله.
لقد آن الأوان لرفع القناع، ولتمزيق الغشاء الذي يُلبس هذه الأعمال رداء القداسة، وهي لا تمتّ للقداسة بصلة. فالخداع الأخطر ليس ذاك الذي يعادي الإيمان علنًا، بل ذاك الذي يتسلّل إلى جسد الكنيسة متنكّرًا كعبادة، بينما هو في جوهره تجديف صامت. في هذا القسم، سنفضح هذه الممارسات في ضوء الكلمة، لا لنتّهم الأشخاص، بل لنكشف الأرواح التي تتخفّى خلف الطقوس، ونفصل بين ما هو من الله، وما هو استغلال لاسم الله.

اترك تعليقاً