يذكر الكتاب المقدس في عهده العتيق اسم الكاهن مئات المرات، وهو لقب لخدام المذبح أكانوا من شعب الله كأبناء هارون، أم من الشعوب المجاورة كالمصريين والفينيقيين وغيرهم. فالكاهن هو من ينحني أمام الاله فيقدّم له فروض السجود والعبادة، أو هو من يقف أمام الله ليخدمه ويبارك اسمه.
وقد عرفت الشعوب القديمة بما فيها اسرائيل الكهنوت على أنه وظيفة أكثر منه دعوة من الرب كما كان الأمر بالنسبة إلى الملك أو النبي.
ولكن الكهنوت سيكون أطول عمرًا من الملكية التي أطلّت على اسرائيل حوالي السنة 1020 ق. م. مع شاول، وانطفأت سنة 586 مع صدقيا وجلاء نخبة الشعب إلى بابل، كما سيكون للكهنوت استمرار لم تعرفه النبوءة. وسيأتي وقت يجمع الكهنة في يدهم الكهنوت والملكية والنبوءة، بعد أن يكونوا رافقوا الشعب طوال التاريخ، ونقلوا إليه شفهيًا التقاليد الدينية، قبل أن يجمعوها ويدوّنوها في ما نسميه التوراة بالمعنى الحصري.
أ- من ابراهيم إلى المسيح
يفترق شعب الله عن باقي الشعوب في أن الكهنوت ظلّ مؤسسة أساسها الله لا الملك. في الشعوب القديمة كانت السلطة الكهنوتية بيد الملك وهو يفوّض إلى من يشاء بعضًا من سلطاته. أما في الشعب العبراني فالله هو من اختار قبيلة لاوي لتقوم بخدمة المذبح. ولهذا يبقى للكهنة استقلالهم الذاتي رغم تدخل بعض الملوك في اختيار أو عزل رئيس الكهنة، ورغم تزلّف بعض رؤساء الكهنة وتقربهم من الحكام للحصول على فوائد مادية ولو على حساب كرامة الكهنوت. نتطلع إلى الكهنوت عند شعب الله، فنتوقف على مراحل ثلاث: في زمن الآباء، مع موسى، على عهد الملوك وحتى زمن المسيح.
أولاً: في زمن الآباء
تُجمع التقاليد القديمة في سفر التكوين على القول بأن الآباء كانوا كهنة الشعب وبيدهم سلطة العبادة والطقوس وإقامة الشعائر الدينية. فرب العيلة هو الكاهن. لم يكن الكهنوت منظمًا كما عند المصريين لأن التنظيم الاجتماعي كان بدائيًا كما أن الأعمال الليتورجية ما زالت بسيطة جدًا. فالله هو اله الأب للدلالة على وجود علاقة شخصية وقرابة حميمة بين الله والآباء. في ديانة عائلية، الأب هو الوسيط بين الله والناس، وأهل البيت هم جماعة عبادة، لهم معبد متنقل يقومون فيه بشعائر العبادة.
ثانيًا: مع موسى
كان شعب الله عيلة فكان الأب كاهنها. ولما صار شعب الله مجموعة قبائل صار كاهنه موسى قائد هذه المجموعة ومنظمها. تربى تربية الموظفين المصريين في بلاد فرعون فعرف جماعة الكهنة ودورها في حياة المجتمع، وتعلم الكثير من الكاهن يترو الذي التقاه عند المديانيين حين هرب إلى الصحراء خوفًا من غضب فرعون. موسى هو محرّر اسرائيل وموحّد العشائر التي انتزعها من العبودية، ورئيس الشعب الذي بدأ يتكوّن في جماعة. وهو أيضًا ذلك الكاهن الذي يقوم بدور الوساطة بين الله وشعبه. فيقطع على سيناء عهدًا مع الله خلال ليتورجية ينهيها بإعلان الكلمة وتقدمة الذبيحة، كما كان يحدّث باسم الله الناس الذين يأتونه ليعرفوا أوامر الرب ووصاياه، فيقضي بين الرجل وقريبه ويعلم الجميع فريضة الله وشريعته. خلال حياته جمع موسى في يده كل السلطات من دينية وحربية ونبوية وسياسية. ولكن هذه السلطات ستتوزع فيما بعد فيخلفه يشوع بن نون في قيادة الشعب إلى حروب الله، وهو المعروف بشجاعته وثقته بالله (عد 14: 5-9). ولقوم بسلطاته الكهنوتية اليعازار بن هارون فيفسّر شريعة الله ويسهر على المسكن والاواني المقدسة. نقل موسى إليه سلطانه إذ وضع يده عليه وألبسه ثياب هارون علامة لانتقال الكهنوت إليه بعد موت هارون (عد 27: 21-23).
أما موهبة النبوة (أو روح موسى) فقد انتقلت إلى السبعين شيخًا بفعل اختيار الله وإن كان لبعضهم وظائف كهنوتية وقضائية. وهكذا عندما يدخل شعب الله أرض الميعاد سيكون الفصل واضحًا بعض الوضوح بين القضايا الدينية والقضايا السياسية. بمعنى أن القضاة وإن مارسوا بعض المرّات وظائف كهنوتية، كما فعل الآباء وموسى قبلهم، إلاّ أنهم تركوا للكهنة أمر تنظيم العبادة قرب المعابد. وعندما بنى بعضهم مذبحًا أو أقام معبدًا جاء له بالكهنة يخدمونه كما فعل رئيس قبيلة دان وميخا أحد الزعماء في جبل افرائيم (قض 7:17- 13؛ 19:18).
ثالثًا: عهد الملوك
كان العبرانيون يعتبرون ملوكهم مرتبطين بالله يختارهم ويتبناهم يوم يمسحون بالزيت، فصار الملك بالنسبة إليهم حامل وساطة بين الله والبشر. فالملك يؤمّن العدالة والنصر والسلام، وبواسطته تأتي كل البركات السماوية بما فيها خصب الأرض وتكاثر الحيوان والبشر. فلا نتعجب حينذاك إن وجدنا الملوك يمارسون في اسرائيل وظائف كهنوتية على مثال ما يحصل في الشعوب المجاورة لاسرائيل. فالملك يقدّم الذبائح للرب ويبارك الشعب باسم الرب ويعطيه مز 110 لقب الحبر والكاهن على رتبة ملكيصادق. ولكن الملوك سيبدأون بتنظيم الكهنوت في عاصمتهم على غرار ما يجري في الأمم المجاورة. فكان لهيكل أورشليم كهنة مع رئيس عليهم. وبقي لكل معبد كهنته، إلى أن جاء إصلاح يوشيا سنة 622 ق م فحصر تقدمة الذبائح في الهيكل وجمع أبناء لاوي من كل أنحاء البلاد بانتظار أن يحدّد عملاً خاصًا بالكهنة المتفرّعين من صادوق تاركًا للباقين أمر الخدم الوضيعة في بيت الله وجواره. وهكذا يصبح هيكل أورشليم المعبد الرسمي الوحيد ليهود مملكة يهوذا في الجنوب وسيبقى كذلك إلى أيام المسيح.
ب- اللاويون كهنة الرب
عندما نتكلّم عن الكهنوت لا نستطيع إلاّ أن نذكر اللاويين، لأن الشرط الضروري لتسلم الوظائف الكهنوتية هو التحدُّر من سلالة لاوي. قصّتهم تبدأ مع موسى. وأصله من بني لاوي بن يعقوب. احتاج إلى مساعدة في عمله الكهنوتي فقرب إليه أبناء قبيلته واستعان بهم بعد أن رأى فيهم الغيرة على تابوت الرب، ورفْضَ أيّة مساومة في أمور الايمان. نفخ فيهم غيرته فامتلأوا حماسًا من أجل الرب. ولما أقاموا في قادش، تلك الواحة المقدسة في الجنوب، تجلّى موقفهم الروحي على أثر حياتهم القريبة من الرب، فصار همهم الدفاع عن الايمان، وصار اسم لاوي مرادفًا للرجل الغيور الذي يتكلّم باسم الرب (خر 4: 14).
ما معنى كلمة لاوي؟ إذا رجعنا إلى الأصل الشعبي نفسّر الفعل بمعنى رافق. ارتبط. لزم. وتقول التقاليد الدينية إن اللاوي هو من ارتبط بالله وكان الرفيق لكل أبناء يعقوب. ولكن بعد ترجمة نصوص اكتشفت جنوبي مديان، يُفهم أن كلمة لاوي تعني استعار، أعار، أعطى انسانًا مقابل دين أو نذر. فأم صموئيل أعارت ابنها للرب وكرّسته له طوال أيام حياته.
هؤلاء اللاويون تخصّصوا في أعمال العبادة، وعملوا ليحافظوا على نقاوة إيمان شعب الله عندما اتصل بالكنعانيين وأخذ الكثير من عاداتهم وتقاليدهم الدينية في عبادة البعل والعشتروت. فانتشروا في عهد القضاة من جنوبي فلسطين في بيت لحم وحبرون إلى شمالها في جبل افرائيم ودان وفي جميع المدن المخصصة وحملوا معهم بركة الله وكلامه فكانوا للمؤمنين الأب والرفيق والكاهن (قض 17: 10).
في عهد الملوك تنظّم الكهنة حول هيكل أورشليم، بينما بقي قسم كبير منهم في المعابد المتوزّعة في أرض فلسطين، إلى أن جاء الملك يوشيا فألغى المعابد المتعددة وأبقى على هيكل أورشليم مميّزًا بين الكهنة واللاويين. ولكننا نرى في زمن الملوك كيف أن الكهنة صاروا في خدمة الملوك يتوسلون رضاهم، كما أن الملوك أخذوا يتدخلون في حياة الكهنة وتنظيمهم فيعيّنون من يريدون ويقيلون من يريدون. ولا ننسى أن الكثير من الكهنة فضلوا العمل عند البعل والعشتروت على العمل في معبد الله. فطقوس الرب بسيطة ومتطلباتها الاخلاقية قاسية بينما طقوس البعل أعياد وأفراح، والمشتركون فيها كثيرون والربح فيها وفير. وكان هناك تمييز بين كهنة أورشليم وكهنة المناطق؛ فكان كهنة أورشليم متخمين بينما كان الباقون فقراء تشبه حالتهم حالة الارملة واليتيم والغريب (تث 14: 27-29). وأخيرًا كان بعض الكهنة يسرقون الله والناس مثل أبناء عالي (1 صم 2: 12-17). وهذا ما جعل الأنبياء يندّدون بتصرف الكهنة الخائنين لعهد الرب التاركين وصاياه، والمشاركين في نهب الضعيف واليتيم والارملة (إر 2:
وستتغيّر الحالة بعض الشيء بعد الجلاء بالنسبة إلى الوصايا الملكية، فيتحرّر الكهنة من تجربة السلطة السياسية وقد صارت بيد الأمم الوثنية، ويصبحون القواد الدينيين لشعب الله. ولكن تجربة السلطة لم تتبدّل كثيرًا، وظلَّ الكثير من الكهنة يسخّرون كهنوتهم لأمور بعيدة كل البعد عن أمور الدين.
الدرجة الأولى: رئيس الكهنة.
إنه على مثال هارون الذي اختاره الله بطريقة عجيبة. وكرّسه موسى بطريقة خاصة وطهره ومسحه بالزيت وألبسه الملابس الخاصّة وقدّم عنه الذبائح. فعليه، والحالة هذه، أن يحافظ على طهارة مطلقة ويتجنّب كل ما يمكن أن ينجّسه. هذه الكرامة لم تعط إلاّ للعائلات التي برهنت بطريقة قاطعة عن غيرتها في سبيل الرب وعن تعلّقها بعهده ووصاياه.
الدرجة الثانية: أبناء هارون أو الكهنة القريبون من الله القدوس.
تميَّز الكهنة عن اللاويين بعد الجلاء إلى بابل. تكرسوا بالمسحة بالزيت، فكانت لهم وظيفة حفظ الأواني المقدسة، وامتياز التلفّظ باسم الله في إعطاء البركة، وتقدمة ذبيحة التكفير عن الخطايا. ولهذا توجّب عليهم المحافظة على طهارة خاصة، وحقَّت لهم مداخيلُ مادية بسبب كرامتهم (عد 23:3)
الدرجة الثالثة: اللاويون.
اختارهم موسى بسبب غيرتهم في قصّة العجل الذهبي فكوّنوا قبيلة خاصّة تميَّزت عن باقي القبائل. لم يُحصها موسى حين أحصى سائر القبائل، ولم يعطها ميراثًا في أرض كنعان لأن الرب ميراثها (عد 1: 47-49). واللاويون محفوظون لله ومخصّصون لخدمته كعلامة على أن الشعب كله هو خاصة الرب. فحضورهم وسط الشعب تذكير دائم بخلاص الله وعهده. ولهذا فإنهم يحلون محل أبكار اسرائيل، ويكرّسون في ذبيحة، ويقرَّبون إلى الله، ويعطَون للكهنة ليخدموا ويحرسوا المسكن ويتفقدوا جواره. إنهم يخصّون الله. وهذا ما يجعلهم قديسين ويسمح لهم بالاقتراب من المعبد دون أن يهدّدهم خطر الموت. يخيّمون حول المسكن المقدس، فيحافظون على تسامي الله الساكن وسط شعبه، ويمنعون الشعب من الاقتراب من تابوت العهد فلا يضربهم غضب الرب. هؤلاء الكهنة واللاويون عاشوا في خدمة الله وشعبه، فتنظمت حياتهم على يد موسى والمشترعين الذين جاؤوا بعده.
وهكذا عدّد الكتاب المقدس المداخيل التي يعيشون منها، فذكر ما يؤخذ من التقدمات، والعشر من الغلال، وما يحمله المؤمنون من البكور وأول ثمار الأرض، فقال: “كل التقدمات المقدسة التي يقدّمها بنو اسرائيل للرب جعلتها لك ولبنيك وبناتك معك فريضة أبدية عهدًا لا ينقضي مدى الدهر أمام الرب ولنسلك معك. وقال الرب لهارون: في أرض بني اسرائيل لا ترث ولا يكن لك نصيب فيما بينهم، فأنا نصيبك وميراثك” (عد 18: 19- 20).
عاش الكاهن دومًا من المذبح، وقصة أبناء عالي خير دليل على ذلك. هم يهتمون بالطقوس والمعبد والمذبح، فيكون من الطبيعي أن تكون لهم المداخيل الكافية للقيام بأود حياتهم ولتأمين الخدمة المقدسة. وكانت مداخيل الكهنة ما يؤخذ من الذبائح المقدمة والزيت. وهذه العشور هي تقدمة روحية يشرك فيها المؤمن الفقراء واللاويين والغرباء واليتامى والأرامل.
إن الكهنة واللاويين قد أفرزوا من الشعب بسبب خدمة العبادة التي يقومون بها. فليس لهم إرث في الأرض مع سائر القبائل. الرب نصيبهم وحصتهم. وهذا يعني أن عبادة الرب تكون مصدر مداخيل لهم. ويعني أيضًا أن الكهنة واللاويين يضعون ثقتهم بالرب ولا يتّكلون إلاّ عليه في أمور حياتهم. وهكذا نستعد لسماع نداء يسوع إلى تلاميذه: أن يتكلوا على عناية الله، يبيعون أرزاقهم ويتعلقون بالرب وحده.
د- وظيفة الكاهن في شعب الله
بم تقوم وظيفة الكاهن؟ يلخّصها سفر التثنية في ثلاث كلمات: هو رجل المعبد، وخادم كلمة الله، وخادم المذبح. “وقال موسى: أعط يا رب التميم للاوي والاوريم لرجلك التقي الذي امتحنته في “مسّه” وخاصمته عند مياه “مربية”. يقول عن أبيه وأمه: ما رأيتهما. لا يعرف إخوته ولا بنيه. أبناء لاوي حفظوا كلامك ورعوا عهدك. يعلِّمون يعقوب أحكامك وإسرائيل شريعتك. يجعلون بخورًا في أنفك ومحرقات على مذبحك. بارك يا الله قوته وتقبّل عمل يديه. أكسر ظهور مقاوميه ومبغضيه حتى لا ينهضوا”.
أولاً: رجل المعبد
الكاهن اللاوي يخدم المعبد، بيت الله. والعيل اللاوية ترافق تابوت العهد وتحرسه. سلالة لاوي تستقبل الحجّاج في شيلو وأحيمالك وعيلته يمارسون وظيفتهم الكهنوتية في نوب. وأبياتر يمارس الكهنوت لداود في صهيون. ينتقل الكهنوت بالوراثة من الآباء إلى البنين. فأبياتر هو بن أحيمالك، وسيكرّس اليعازر بن أبيناداب الكاهن لخدمة تابوت العهد (1 صم 7: 1).
ثانيًا: خادم كلمة الله
تطوّرت خدمة كلمة الله على مرّ العصور. كان المؤمنون يذهبون إلى المعابد ليسألوا الله فيعرفوا إرادته. فاللاويون يحفظون كلمة الرب ويتعلّقون بعهده، لذلك يقدرون أن يعلّموا اسرائيل فرائض الله ورسومه. إنهم مؤتمنون على علم الله يفسّرونه للناس ويُسمعون كل اسرائيل كلام الله ويحكمون له في قضاياه. وإن تأخّر الكهنة في القيام بواجبهم التعليمي هذا، سيذكّرُهم به الأنبياء. فيقول هوشع: “دمِّر شعبي لعدم المعرفة. أنت أيها الكاهن رذلت تعليمي فأنا أرذلك، نسيت شريعة أبيك فأنا أيضًا أنسى بنيك. كثر كهنتي فكثرت خطاياهم. لذلك سأبدّل مجدهم هوانا” (هو 4: 6-7).
ثانيًا: خادم كلمة الله
تطوّرت خدمة كلمة الله على مرّ العصور. كان المؤمنون يذهبون إلى المعابد ليسألوا الله فيعرفوا إرادته. فاللاويون يحفظون كلمة الرب ويتعلّقون بعهده، لذلك يقدرون أن يعلّموا اسرائيل فرائض الله ورسومه. إنهم مؤتمنون على علم الله يفسّرونه للناس ويُسمعون كل اسرائيل كلام الله ويحكمون له في قضاياه. وإن تأخّر الكهنة في القيام بواجبهم التعليمي هذا، سيذكّرُهم به الأنبياء. فيقول هوشع: “دمِّر شعبي لعدم المعرفة. أنت أيها الكاهن رذلت تعليمي فأنا أرذلك، نسيت شريعة أبيك فأنا أيضًا أنسى بنيك. كثر كهنتي فكثرت خطاياهم. لذلك سأبدّل مجدهم هوانا” (هو 4: 6-7).
ثالثًا: خدمة المذبح
إن خدمة المذبح ستصبح بعد الجلاء ميزة خاصة بالكهنة. الكاهن وحده يصعد المذبح ويقترب إلى الله ويقدّم المحرقة ويجعل دمها يسيل على المذبح (تث 23: 10). هذا هو عملهم وهذه هي خدمتهم. وقد جعلت الكتب علاقة لازمة بين الكاهن والمذبح والذبيحة ففرضت القداسة على الكهنة.
ومن هنا ينبع دورهم في الحفاظ على القداسة داخل الشعب: يمارسون طقوس التكفير عن بني اسرائيل ويحملون خطيئته فيقدمون ذبيحة الخطيئة كلما دعت الحاجة إلى ذلك، كما كان رئيس الكهنة يقدّم ذبيحة خاصّة مرة في السنة، في عيد التكفير (عد 25: 13).
وإلى المذبح يحمل الكاهن إلى الرب مديح الشعب وتوسله ويستنزل عليه بركاته: “يباركك الرب ويحفظك. يضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك. يكشف الرب وجهه لك ويمنحك السلام” (عد 6: 24-26).
فضل هؤلاء الكهنة حقّق الشعب رسالته كشاهد للرب وسط الأمم الوثنية. فالكهنة نظموا الشعب وعلموه وقدسوه، فجعلوا منه شعبًا من الكهنة: “إن سمعتم لكلامي وحفظتم عهدي تكونون لي شعبًا خاصًا بين جميع الشعوب لأن الأرض كلها أرضي. وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمّة مقدسة” (خر 19: 5-16).
وهكذا كان للكهنة الدور المهم في تهيئة شعب الله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة إلى سماع كلام الانجيل والدخول في جماعة العهد الجديد التي يكون كاهنها يسوع المسيح الوسيط الوحيد بين الله والبشر.
الأب بولس الفغالي-