دير مار أفرام الرُّغم الأثري للسريان الكاثوليك

You are currently viewing دير مار أفرام الرُّغم الأثري للسريان الكاثوليك

يُعدّ دير مار أفرام الرُّغم من أقدم وأعرق أديار السريان الكاثوليك في لبنان، وقد شُيّد عام 1705 على رابيةٍ تشرف على قرية الشبّانية في جبل لبنان. وما تزال كنيسته التاريخية قائمة حتى اليوم، وتتميّز بمذبحٍ يتّجه نحو الشرق وسوقٍ واحدةٍ بسيطة في طرازها المعماري. وقد أُطلق عليه اسم “الرُّغم” نسبةً إلى عين الماء التي تتدفّق بجانبه.

تعود جذور تأسيس الدير إلى مجموعة من الشبّان السريان الكاثوليك القادمين من مدينة حلب، الذين قصدوا لبنان طلبًا للحياة الرهبانية. وقد وهبتهم الأرض السيّدة مريم بنت سركيس بو رزق، وساعدهم والدها سركيس في إنجاز البناء الذي احتضن لاحقًا حياتهم الروحية والرهبانية.

وفي عام 1730، شيّد الرهبان كنيسة الدير على اسم شفيعهم مار أفرام السريانيّ، وأكملوا بناء غرف الرهبان والمكتبة وقاعة الاستقبال. وسرعان ما أصبح الدير من أرقى أديار لبنان فضيلةً ونظامًا وعمرانًا، إذ قصده أبناء القرى المجاورة وأنجال الأمراء اللمعيّين لطلب العلم والثقافة. وبلغت مكتبته أكثر من 500 مخطوط نفيس إلى جانب عدد كبير من الكتب المطبوعة، ما جعله من أهم مراكز الإشعاع الفكري والديني في زمنه.

وفي عام 1790، أُقيمت في الدير ورشة توسعة شملت بناء غرفٍ جديدةٍ لسكن العابدات اللواتي نذرن النذور الرهبانية، فازدهرت الحياة الروحية فيه، وكانت قاعدته الأساسية شعار الرهبنة السريانية العريقة: “صلِّ واعمل”، حيث جمع الرهبان بين العبادة وخدمة المحتاجين والزراعة وإدارة الأوقاف.

غير أن هذا الصرح الروحي لم يسلم من ويلات التاريخ، إذ أصابه الدمار والخراب إثر نكبتي 1841 و1860، فتفرّق رهبانه وتعرّضت مخطوطاته للنهب والتلف، وتوقّفت الحياة الرهبانية فيه لسنوات طويلة، قبل أن تُسلَّم إدارته إلى رئيس دير الشرفة.

وبعد 160 عامًا من الإهمال والخراب، استعاد الدير أنفاسه من جديد، إذ أُعيد افتتاحه في حزيران 2024 عقب ترميمٍ شامل، في احتفالٍ ترأسه البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان، بطريرك السريان الكاثوليك.

وعندما زرته في شباط 2025، كان المكان ما يزال قيد الترميم، وغرفه وأروقته مفتوحة تخلو إلا من العمال الذين يواصلون العمل لإعادة الحياة إلى هذا المعلم الأثريّ الفريد الذي شهد قرونًا من الصلاة والعلم والتاريخ.

اترك تعليقاً