يقع دير وقلعة القديس سمعان العمودي شمال غرب مدينة حلب في سوريا، ويشتهر بالعمود الذي عاش عليه القديس سمعان متنسكًا ومتعبدًا. وقد سُمي الدير باسم القديس سمعان، الناسك السوري المولود عام 389 م في بلدة سيسان جنوب جبل سمعان، وهو أول من ابتكر طريقة التنسك على عمود حجري، وهي طريقة انتشرت بعده في مناطق الشمال السوري ووصلت إلى أوروبا. ويبلغ طول العمود حوالي 15 متراً.
بدأ بناء الكنيسة الكبرى في عهد الإمبراطور ليون، ولكنه توفي قبل إتمام المشروع، فتولى الإمبراطور زينون (474–491 م) تحقيقه، وبدأ البناء عام 476 م، ودُشنت الكنيسة عام 490 م بعد 14 عامًا من العمل المتواصل. وشملت إضافات بين عامي 526 و528 م مبانٍ متعددة مثل الفنادق والكنائس والباحات، لتبلغ مساحة البناء أكثر من 12,000 متر مربع، مما جعلها تعدّ “الأضخم في الإمبراطورية”، إذ بلغ طولها 103 أمتار وعرضها 91 مترًا، مقارنة بكنيسة آيا صوفيا التي يبلغ طولها 76 مترًا وعرضها 67 مترًا.
بُنيت الكنيسة على شكل صليب تحيط به أربعة أضلاع تتلاقى عند قاعدة العامود الذي عاش عليه القديس سمعان، ومن هنا لقب بالعمودي. وقد أضيفت في نهاية القرن الخامس مبانٍ لخدمة الكنيسة مثل المعمودية ومساكن الرهبان وطلاب العلم. بعد زلازل مدمرة ضربت شمال سورية بين 526 و528 م، تعرضت الكنيسة لأضرار كبيرة، إلا أنها بقيت بيد المسيحيين عند فتح المسلمين للمنطقة. وفي فترات لاحقة، تمكن البيزنطيون والفاطميون والأمراء المحليون من السيطرة عليها وتجديدها، وتحولت أحيانًا إلى قلعة دفاعية تُعرف باسم قلعة سمعان.
تقسم الكنيسة إلى قسمين رئيسيين: الكنيسة الكبرى وكنيسة المعمودية.
الكنيسة الكبرى تحتضن عامود القديس سمعان في منتصف البناء المثمن الشكل، ويتقاطع معه أربعة أضلاع لتشكيل صليب، وتبلغ مساحتها حوالي 5,000 متر مربع. الضلع الشرقي يُعد الأهم والأكبر والأكثر زخرفة، حيث تُقام فيه القداديس الاحتفالية أيام الآحاد والأعياد، بينما تُفتح الكنائس الثلاثة الأخرى يوميًا للحجاج بمختلف لغاتهم. بنيت الكنائس الأربعة على نمط البازيليك، مع تسعة أعمدة وثمانية قناطر، لتجمع بين أنماط البناء البازيليك والمثمن والمصلب.
تضم مقبرة الرهبان، الواقعة شمال شرق الكنيسة قرب السور الشمالي، غرفًا محفورة في الصخر تحتوي على قبور الرهبان وقبوًا أسفل الأرض لوضع العظام بعد إخراجها من القبور. أما دير الرهبان الملحق بالكنيسة، فيتألف من طابق أرضي وطبقتين علويتين مع باحة مستطيلة، ويشمل إسطبلاً للحيوانات وكنيسة صغيرة أو مصلى للصلوات اليومية، إضافة إلى منصة للوعظ وأحواض صخرية ربما استُخدمت لصناعة الزيوت أو الخمور، وتبلغ مساحة الدير مع باحاته والمقبرة حوالي 5,000 متر مربع.
ويتألف بيت وكنيسة المعمودية من بناء مربع يحتوي على مثمن في وسطه للحوض المستخدم في المعمودية، مع درج شمالي وجنوبي وقناة لتجري إليها المياه، وبعد الطقس يتوجه المعمدون إلى الكنيسة الملاصقة لاستكمال الطقس، وتبلغ مساحة بيت وكنيسة المعمودية مع ملحقاتها حوالي 2,000 متر مربع.
يمثل دير وقلعة القديس سمعان العمودي مثالاً بارزًا على الفن المعماري البيزنطي والزخرفة الدينية، ويظل مقصدًا للحجاج والزوار الباحثين عن التاريخ والروحانية في شمال سوريا.
