رأس السنة 2025 عيد ختانة الربّ يسوع

You are currently viewing رأس السنة 2025 عيد ختانة الربّ يسوع

الخوري نسيم قسطون:

في أوّل أيّام السنة الجديدة، نجد أنفسنا في محطة مليئة بالمعاني الروحيّة والتأمّلات العميقة. إنّها لحظة تحمل أكثر من بداية زمنيّة؛ فهي دعوة لتجديد القلوب والنوايا أمام الله، مصدر الحياة ومعطي المعنى لكلّ أيامنا. وإذ تحتفل الكنيسة بذكرى ختانة الربّ يسوع (لوقا 2: 21) اليوم، نرى في هذا الحدث علامة تجلّي محبّة الله واحترامه لتاريخ البشرية وثقافتها، بالرغم من كونه سيّد الشريعة ومتمّمها.

الختان الجسديّ كان رمزًا في العهد القديم لعهدٍ خاص بين الله وشعبه. ومع مجيء المسيح، انتقل هذا الرمز من بُعده الماديّ إلى بُعد روحيّ أعمق: ختان القلب. إنّه دعوة لإزالة كلّ ما يعوقنا عن محبّة الله والقريب، وعن تحقيق مشروع الله في حياتنا. في هذا التحوّل، يتجلّى قصد الله الشامل: الخلاص لكلّ البشر دون تمييز، وتجديد الإنسان من الداخل ليصير على صورة الله كما أراد له أن يكون.

في مستهلّ السنة، يتّجه النظر أيضًا إلى السلام بكوننا نحتفل به في هذا اليوم أيضًا؛ ذلك السلام الذي ننشده في العالم ونبحث عنه داخل أنفسنا. إنّه سلام لا يتحقّق بالهروب من الواقع أو بالتغافل عن التحدّيات، بل بالتصالح مع الله ومع الآخرين. السلام يبدأ من القلب، حيث يقودنا الإيمان الصادق إلى محبّة غير مشروطة، تتجاوز الحواجز التي تصنعها الأنانيّة والاختلافات. وهنا، يدعونا المسيح لنكون صنّاع سلام، نعمل بجدّ على نشر قيمه في محيطنا.

تجلب السنة الجديدة معها الكثير من التحدّيات، كما تفتح أبوابًا للأمل والتجدّد. ولكن هل نتوقّف لنفكّر في الكيفيّة التي نبدأ بها هذه السنة؟ هل نسعى فعلاً لإعادة النظر في علاقاتنا، في اختياراتنا، وفي طريقة عيشنا لإيماننا؟ يقول الربّ: “طوبى لأنقياء القلوب، لأنّهم يعاينون الله.” فلنجعل هذه السنة بداية لتنقية القلوب، وإزالة كلّ ما يثقلها من حقد أو حسد أو تهاون في واجباتنا الروحيّة والإنسانيّة.

وسط الاحتفالات الصاخبة التي تطغى عادةً على رأس السنة، يقف المسيحيّ مدعوًّا إلى التمييز بين ما ينفع وما يضرّ، بين ما يبني الإنسان وما يهدمه. ليست المتعة الزائلة هدفًا يُرجى، بل الفرح الحقيقيّ الذي ينبع من العيش بحسب وصايا الله ومن السعي لتحقيق إرادته في حياتنا. إنّ أيّامنا تمتلئ برموز تدعونا للتفكّر: البدايات الجديدة، قرارات السلام، واستذكار العهود المقدّسة التي قطعها الله معنا. لنأخذ من هذه الرموز فرصة لمراجعة ذواتنا والتقدّم نحو الله بخطى ثابتة.

كلّما عدنا إلى السيّد، نجد فيه ينبوع الحياة. هو الذي اختبر في بشريّته كلّ أوجه الضعف والتحدّي، لكنه لم يخطئ قطّ. بهذا المثال، يفتح أمامنا الطريق نحو الحياة الحقّة، حيث نصير أبناء وبنات لله حقًّا، حاملين اسمه ليس فقط بالكلام، بل بالعمل والمحبة الصادقة. المسيحيّة ليست لقبًا يُحمل، بل حياة تُعاش في النور والحقّ.

فلنجعل هذه السنة، إذًا، مشروعًا متكاملًا لتجديد الحياة الروحيّة والإنسانيّة. ولنُعِد تقييم أولويّاتنا، ونسعى إلى بناء علاقات أكثر صدقًا ونقاءً. قد تكون هذه البداية صغيرة، لكنّها بداية نحو تحوّل عظيم إذا ما وضعنا ثقتنا في الله وسرنا على خطى ابنه الذي جاء ليخلّصنا ويعطينا الحياة بوفرة.

مع إشراقة هذا العام الجديد، لنرفع الصلاة من أجل عالم متعطّش للسلام، ومن أجل قلوب متلهّفة للفرح الحقيقيّ. كلّ خطوة نحو الله هي خطوة نحو تحقيق هذا السلام. وكلّ عمل محبّة نقوم به هو شهادة على حضور المسيح فينا.

لنجعل كلّ يوم من هذا العام عيدًا للسلام الداخلي والخارجي. وكلّ عام وأنتم بخير!

اترك تعليقاً