القمص عبد المسيح بسيط-
إن حقيقة صلب المسيح كحادثة تاريخية بمغزاها التاريخي والعقيدي واللاهوتي تشكل ثلث الإنجيل بأوجهه الأربعة وبقية أسفار العهد الجديد، بل وتكررت كلمة صليب عن المسيح ومرادفاتها ؛ الصليب وصلب ويصلب وصلبوا وصلبوه ومصلوب والمصلوب أكثر من ثمانين مرة، وكانت عقيدة صلب المسيح وفدائه للبشرية هي محور وجوهر وقلب الإنجيل المبشر به للعالم كله.
كما شهد لها، إلى جانب التاريخ المسيحي، التاريخ اليهودي والروماني واليوناني والسوري، ولدينا الوثائق التاريخية التي سجلت ذلك.
يتكلم أصحاب نظرية الشبه ونقاد الكتاب المقدس بصفة عامة عن الكتاب المقدس وعقائده وكأنها خرجت من زاوية مغمورة في مكان مغمور وفي زمن شبه مجهول !!!!! ويتجاهلون حقيقة أن أحداث الإنجيل تمت وسط عشرات الآلاف بل وملايين البشر، وأن الجماهير الغفيرة كانت تحيط بالمسيح دائماً “ حتى كان بعضهم يدوس بعضا ” (لو1:12)، كما يقول القديس لوقا، كما أن أحداث صلب المسيح لم تتم سرا ولا في زاوية، بل تمت في أورشليم وفي عيد الفصح اليهودي الذي كان يحضره، بحسب تقدير المؤرخ والكاهن اليهودي يوسيفوس، حوالي 2 مليون ونصف يهودي من جميع بلاد الإمبراطورية الرومانية.
ومن ثم كان الناس، سواء في فلسطين أو سوريا، منذ الأيام الأولى لكرازة الرسل يعرفون هذه الأحداث جيداً. لذا فعندما وقف القديس بولس الرسول يحاكم أمام الملك هيرودس أغريباس قال له ” لأنه من جهة هذه الأمور عالم الملك الذي أكلمه جهارا إذ أنا لست اصدق أن يخفى عليه شيء من ذلك. لأن هذا لم يفعل في زاوية ” (أع26:26) .
1 – صلب المسيح وقيامته هما قلب الإيمان المسيحي وجوهر رسالة المسيحية:
يقول الكتاب المقدس في أول قانون إيمان مكتوب في الكنيسة صدر يوم الخمسين لقيامة السيد المسيح ودونه القديس بولس الرسول بالروح القدس في رسالته الأولى إلى كورنثوس والتي يُجمع العلماء والنقاد على أنها كُتب حوالي سنة 55م أي بعد خمسة وعشرين سنة من القيامة والتي تشهد على إيمان الكنيسة في فجرها الباكر حيث تسلم القديس بولس نفسه هذا الإيمان في السنة الثالثة للقيامة ” وأعرفكم أيها الأخوة بالإنجيل الذي بشرتكم به وقبلتموه وفيه تقُومون وبه أيضا تخلصُون أن كنتم تذكرون أي كلام بشرتكم به إلا إذا كنتم قد آمنتم عبثاً.
فأنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكُتب (أي أسفار العهد القديم). وأنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب. وأنه ظهر لصفا (بطرس) ثم للأثنى عشر. وبعد ذلك ظهر دفعة واحدة لأكثر من خمس مئة أخ أكثرهم باق إلى الآن (سنة 55م) ولكن بعضهم قد رقدوا. وبعد ذلك ظهر ليعقوب ثم للرسل أجمعين. وآخر الكل كأنه للسّقِط ظهر لي أنا ” (1كو1:15-8).
فالصلب والقيامة هما أساس الإيمان المسيحي وجوهر رسالة المسيحية ودعوتها لأنها قامت على هذا الأساس. وقد سجل لنا العهد الجديد في كل أسفاره وكذلك التقليد وكتابات أباء الكنيسة في القرون الثلاثة الأولى وقوانين الأباء الرسل أحداث وتفاصيل الصلب والقيامة ومغزاها بالنسبة للإيمان المسيحي، بل وكانت أول عظة بعد حلول الروح القدس هي عن الصلب والقيامة، بل وكان أول ما كتب في الإنجيل بأوجهه الأربعة، بإجماع العلماء، هي أحداث الصلب والقيامة.
ويتلخص هذا الإيمان فيما جاء في قانون مجمع نيقية المُنعقد سنة 325م ” وصلب عنا على عهد بيلاطس البنطي، وتألم وقبر، وقام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب، وصعد إلى السموات “.
