عيد التجلي

You are currently viewing عيد التجلي

الخوري نسيم قسطون:

في لحظةٍ خاطفة، على جبلٍ عالٍ، كشف الربّ يسوع أمام بطرس ويعقوب ويوحنّا جانبًا من مجده الإلهيّ (مرقس 9: 1-7).

كان مشهدًا خارج الزمن، فيه التقت السماء بالأرض، وامتلأت العيون بنورٍ لا يشبه شيئًا من هذا العالم. ولكن، رغم عظمة الحدث، لم يكن القصد مجرّد انبهار، بل تحضير. فالمعلّم الوديع، الذي شاركهم الجوع والتعب، أراهم لمحة من ألوهيّته، لا ليبقى معهم في المجد، بل ليقوّيهم على السير في درب الألم التي تنتظره وتنتظرهم.

نحن أيضًا، في أوقاتٍ نادرة، نختبر تجلّيات صغيرة: لحظات نور وسط العتمة، سلامٌ غير متوقّع في قلب العاصفة، أو كلمة رجاء في وقت الخيبة. قد نتمنّى دوام هذه اللحظات كما تمنّى بطرس نصب المظالّ، ولكن الإيمان لا يُبنى على الانبهار بل على الثبات. فبعد التجلّي، ينتظرنا الوادي؛ وهناك يُختبر الإيمان في الطاعة، في الصمت، في احتمال المشقّة.

صوت الآب لا يزال يدوّي: “هذا هو ابني الحبيب، فله اسمعوا”. ولكن، هل نسمع حقًا؟ هل نصغي إلى صوت المسيح وسط أصوات هذا العالم المتضاربة؟ هل نعود إلى كلمته لنعرف كيف نسلك، أم نكتفي بالمظاهر والتديّن السطحيّ؟ التجلّي لم يكن مجرّد إعلانٍ عن هويّة يسوع، بل دعوة لنا لنلتصق به ونتبع خطواته، مهما قادتنا إلى الجلجلة، لأنّ خلف الجلجلة، القيامة تنتظر.

ملكوت الله ليس وعدًا مؤجّلًا فقط، بل هو حاضرٌ فينا حين نسمح للمسيح أن يغيّر قلوبنا. نراه في المحبّة المجّانية، في الغفران الصعب، في مشاركة الخبز، وفي كلّ عملٍ صغيرٍ يصنعه مؤمن باسم الربّ. التجلّي هو عربون حياة أبديّة، أُعطي لنفهم أن وراء العتمة نورًا، ووراء الألم خلاصًا، ووراء الصليب مجدًا.

لذلك:

  • لا يجب أن نطلب علامات خارقة، بل قلبًا منفتحًا على الله.
  • لا يجب ننتظر جبلًا نتجلّى عليه، بل أن نطلب حضور الربّ في واقعنا، حيث نكدّ ونتألّم ونرجو.

فالمؤمن لا يهرب من العالم بل يعود إليه مشعًّا بنور اختبره، حاملاً في عينيه رجاء القيامة وفي قلبه سلام من عرف وجه الربّ.

في النهاية، التجلّي ليس مجرّد تذكارٍ تاريخيّ، بل هو مسيرة، دعوة، واستعداد. من يفتح عينيه ليرى مجد الربّ في لحظة، مدعوّ أن يحمل هذا المجد في عتمات الحياة، ويصير بدوره نورًا للآخرين.

 

اترك تعليقاً