عيد الميلاد

الخوري نسيم قسطون

في عيد الميلاد، لا بدّ من وقفةٍ تأمّليّة أمام هذا الحدث العظيم الّذي جدّد الإنسانيّة بنفحة ألوهيّة أعادت إحياء الرّوح في ذلك الجسد المثقل بأحمال الخطايا والّذنوب المتراكمة عبر العصور بسبب جفاء الإنسان تجاه هذه المحبّة اللامتناهية والّتي أضحت “منّا وفينا” كما نقول باللغة العاميّة!

ليس الميلاد هذا “الموسم” بل هو زمنٌ لم يبدأ لينتهي إلّا بالنسبة لمن رأى في الله عدوّاً أو حاجزاً للسعادة أو عائقاً لأنانيّته! وليس الميلاد تلك النفحة من الطّفولة التي ما أن تملّ من اللعبة حتى تضعها جانباً وتهملها أو تنساها!

يسوع هو الدائم وكلّ ما سواه لن يدوم…

لقد ولد المسيح من أجلي ومن أجلك ومن أجل كلّ من يبحث عن معنًى لحياته:

  • ولد فقيرًا من أجل المحروم من الماديّات كي يدرك بأنّ قيمته ليس فيما يملك، بل فيما هو عليه كإنسان…
  • ولد في مغارة من أجل المشرّد كي يعلم بأنّ قيمته الإنسانيّة ليست مرتبطة بحجم بيته أو بعدد أو بقيمة ممتلكاته…
  • ولد “وحيدًا”، بلا إخوة، كي يفهم كلّ إنسانٍ أن لا شيء يدعى “وحدة” إن كان الإنسان مع الله… ومن يشعر بالوحدة والفراغ فليبحث عن الله كما بحث عنه المجوس الّذين، رغم علمهم وأملاكهم، لم يجدوا الرّاحة والسّلام إلّا حين وجدوا يسوع…

في عيد ميلاده، نتذكّر انتصار الرجاء على اليأس والمحبّة على الكراهية والإيمان على الشكوك لأنّ الكلمة الّذي “صار جسداً” حلّ بيننا وجعل مسكنه بيننا فلا مكان، في قلب المؤمن بيسوع المسيح، لمصطلحات “الإحباط” و”الخوف” واليأس”.

في هذا العيد، يتردّد صدى كلمة “لا تخافوا” والتي بادر بها الملاك حين بشّر زكريا أمّنا مريم!

نعم، “لا تخافوا”، لأنّ “الله معنا” ولا يتركنا كما يظنّ العديدون حين يفسّرون صمته كغياب.

أبداً، لا يغيب الله إلا بإرادتنا حين نشطبه من حياتنا لأنّه “مزعج” و”مطالبه كثيرة” أو يعوق حريّتنا.

يغيب أيضاً حين نعبد أحداً أو شيئاً آخر: زعيماً أو حبيباً أو مالاً أو جمالاً أو رفاهية!

مع ميلاد يسوع المسيح، انتهى بعد الإنسان عن الله…

في عيد الميلاد، ننظر إلى الطفل الموضوع فيها لنرى كم أنّ إلهنا قريب وكم هو ضعيف من جرّاء عدم محبّتنا كفايةً له والتي تؤدّي إلى نتائج خطيرة وإلى مغارة “حزينة” يكون فيها:

  • طفل “الجفصين” بارد كقلوبنا إن لم ينبض فيها الحب!
  • يوسف ومريم “جامدون” كنفوسنا إن لم يحرّكها الحنان والتضامن مع الآخرين!
  • الرّعاة وقطعانهم “متفرّقون” على مثالنا إن لم نعي أهميّة وحدتنا في المسيح ومعه…
  • المجوس “تائهون” كمعظمنا حين نفقد بوصلة الإيمان إن لم نحيي نفوسنا بنور المسيح المشرق في الكتاب المقدّس وفي القربان.
  • الثور مشغولٌ بالتبن والحمار مفتونٌ بالشعير كما نكون نحن حين يصبح كلّ همّنا بطننا وشهواتنا هذا إن لم ننتبه أنّ طعامنا الحقيقي هو أن نعمل بمشيئة من أرسلنا، على مثال يسوع!

عيد الميلاد ينادينا لنفتح للّه صفحة جديدة في كتاب قلوبنا وعمرنا ليولد فيها لا في 25 كانون الأوّل من كلّ عام بل في كلّ آنٍ وأوانٍ وإلى الأبد، آمين!

اترك تعليقاً