في قلب بلدة إهدن الشماليّة، وعلى ارتفاع يفوق 1500 متر عن سطح البحر، تقف كنيسة مار ماما كأقدم كنيسة مارونيّة في لبنان وواحدة من أبرز الشواهد على مسيرة الإيمان المسيحي في الجبل اللبناني.
شُيّدت الكنيسة سنة 749 ميلادي على أنقاض معبد وثني، فجمعت بين الحجارة الوثنيّة القديمة والروح المارونيّة الناشئة. وما زال زائرها يلمح بوضوح آثار الماضي: نقوش يونانيّة تعود إلى القرن الثالث، كتابات سريانيّة مقلوبة ترفع اسم الله الحيّ، وقطع فسيفساء وفخار تحفظ ذاكرة القرون الوسطى.
بنيت الكنيسة على الطراز التقليدي، وُجهتها نحو الشرق ومدخلها من الغرب، فيما يزين جدرانها الداخلية والخارجية عدد كبير من الصلبان المحفورة. وقد ذكرها البطريرك الطوباوي إسطفان الدويهي في كتابه منارة الأقداس كأحد أبرز نماذج العمارة الكنسيّة القديمة.
عرفت الكنيسة عبر العصور مراحل متعدّدة: كانت مدرسة لأبناء البلدة، ثم أُقفلت زمناً طويلاً قبل أن تُرمَّم عام 1974 بمبادرة من رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية، لتعود وتُفتح أمام المؤمنين. واليوم، ما زالت تحتفظ بقناطرها الحجرية وسقفيها العاليين، حيث يلامس الشمالي تسعة أمتار والجنوبي ستة أمتار، فيما يتربّع جرن المعمودية في جدارها الشمالي.
في الثاني من أيلول من كل عام، تحتفل إهدن بعيد شفيعها القديس ماما، فتمتزج الصلوات بعبق التاريخ، وتبقى الكنيسة شاهدًا على حوار بين الحجر والإيمان، بين الماضي والرجاء.
