في قلب مدينة معرّة النعمان بمحافظة إدلب – سوريا، يقف متحف فريد من نوعه، خان أثري تحوّل إلى متحف عام 1987، بعد أن كان محطة استراحة على طريق قافلة الحج العثمانية القادمة من إسطنبول إلى دمشق، ومنها إلى الديار المقدسة.
يحتضن هذا البناء التراثي بين جدرانه كنوزًا أثرية مدهشة، في مقدمتها 1600 متر مربع من الفسيفساء المعروضة، مع وجود حوالي 400 متر مربع إضافية محفوظة في المستودعات، حسب بعض المصادر.
ويمتاز المتحف أيضًا بأن أرضيته مرصوفة بالفسيفساء، ما يجعله واحدًا من أكبر متاحف الفسيفساء في الشرق الأوسط.
ازدهر فن الفسيفساء في سوريا خصوصًا خلال العصر البيزنطي (من القرن الرابع إلى السابع الميلادي)، وشهدت مدن مثل المعرة، شهبا، أفاميا، وبصرى الشام، طفرة فنية قلّ نظيرها، حيث استُخدمت الفسيفساء في تزيين الكنائس، القصور، والحمامات العامة، لتجسّد مشاهد دينية، أسطورية، وحياتية يومية بدقّة جمالية آسرة.
لوحة ريموس ورمولوس… أسطورة على حجر
من أبرز المعروضات في متحف المعرة، لوحة فسيفساء مذهلة تم اكتشافها في قرية حاس، الواقعة على بعد 15 كيلومترًا غرب المدينة، وتؤرخ إلى سنة 510 ميلادية.
كانت هذه اللوحة تزيّن إحدى الغرف الجانبية لكنيسة قديمة، وهي تُمثّل الأسطورة الرومانية الشهيرة عن نشأة مدينة روما، وفيها يظهر التوأمان ريموس ورمولوس، اللذان أنقذتهما العناية الإلهية من الغرق، واعتنت بهما ذئبة رمزية أرضعتهما إلى أن وجدهما راعٍ، حملهما إلى زوجته التي ربّتهما حتى كبرا، وأسّسا على التلال السبعة المحاذية لنهر التيبر مدينة روما العظيمة.
فسيفساء سوريا… تراث إنساني جامع
يعكس الفن الفسيفسائي السوري مزيجًا حضاريًا ثريًا، يجمع بين التأثيرات الإغريقية، الرومانية، والشرقية، ويُعد من أبهى الشواهد على تطور الفن والزخرفة في العصور القديمة.
إنه فن لا ينطق بالحجر فحسب، بل يروي ذاكرة الشعوب وتاريخ الإنسان، كما لم يفعل أي فن آخر.