مدينة وليلي الرومانية
على بعد 30 كيلومترًا شمال مدينة مكناس – المغرب، عند سفح جبل زرهون، تقع هناك مجموعة أطلال أثرية، مزينة بالفسيفساء الملونة وتماثيل الرخام والمنقوشات الرومانية على أعمدة الجدران القديمة، تجعل الزوار والسياح يحتفون بها أشد احتفاء، كلوحة معمارية تاريخية تخفي في طياتها حقبًا سحيقة في الزمن المغربي، إنها تعود إلى مدينة وليلي الرومانية التي تسمى باللاتينية Volubilis ، المصنفة ضمن التراث العالمي من قبل اليونسكو
عرفت المنطقة تواجدًا بشريًا على الأقل منذ حقبة العصر الحجري الحديث، قبل نحو 5000 سنة؛ حيث وجدت هناك حفريات أثرية مماثلة لتلك القطع التي وجدت في الجزيرة الإيبيرية، وبحلول القرن الثالث قبل الميلاد، كان الفينيقيون يعمرون المدينة، كما يتضح من بقايا معبد للإله البوني البعل. كانت المدينة تقع داخل مملكة موريتانيا تحت حكم يوبا الثاني، والتي ستصبح دولة تابعة للإمبراطورية الرومانية بعد سقوط قرطاج
بحلول سنة 44 ميلادية، نمت مدينة وليلي بشكل كبير تحت حكم الرومان، وشهدت ازدهارًا وثراء، بفضل أراضيها الخصبة التي تنتج الحبوب وزيت الزيتون وامتلائها بالحيوانات البرية، ما جعلها مركز جذب لكثير من الناس، حتى أصبح يقطنها 20 ألف نسمة مع بداية القرن الثاني الميلادي
وبوصول العرب إلى المنطقة سنة 708، قطنتها قبيلة من ليبيا تدعى “عرابة”، صارت مدينة وليلي منطقة مهمة لدى الحكم الإسلامي، حتى أنها أصبحت مقرًا لإدريس بن عبد الله، مؤسس سلالة الأدارسة التي تعتبر أول دولة في المغرب، وقد تم العثور على القطع النقدية الإسلامية التي يرجع تاريخها إلى القرن الثامن على الموقع، مما يدل على وصول الإسلام في هذا الجزء من المغرب. غير أنه في القرن الحادي عشر ميلادي تم التخلي عن المدينة، ونقل مقر السلطة إلى فاس، كما تم نقل الكثير من سكانها المحليين إلى بلدة مولاي إدريس زيرهون الجديدة، التي تبعد حوالي 5 كلم عن وليلي
ويظهر من خلال الدراسات الأثرية التي تناولت بقايا مدينة وليلي، أنها تمثل نسخة مصغرة للحضارة الرومانية في ذلك الوقت، إذ كانت تضم منازل فخمة على الطريقة الرومانية، ومرافق عمومية من حمامات ودكاكين ومخابز ومعاصر زيت الزيتون وكذا مطاحن الحبوب، وأيضًا سلسلة قنوات للصرف الصحي وأخرى لإمداد المنازل والحمامات العامة بالمياه، بالإضافة إلى سواقي المياه الفلاحية والأسوار الدفاعية ومعابد دينية، وحتى مساحات لسباق العربات الرومانية
Share via: