من هو القديس إغناطيوس مالويان؟

You are currently viewing من هو القديس إغناطيوس مالويان؟
الإكسرخوس الرسولي الأباتي فادي بو شبل المريمي-
هو ثمرة حُبّ والديه، وعطيّة الله لهذه الحياة. أبصر النّور في 15/4/1869، ودُعي باسم شكرالله، وبعد 5 أيّام نال سِرَّي العِماد والتّثبيت على يد كاهن رعيّته في ماردين.
والده ملكون وأمّه فريدة، وله خمسة إخوة وأخت واحدة. قليلةٌ هي المعلومات التي تتكلّم عن طفولته، إلاّ أنّ بعض الكلمات التي نُقِلت عنه تخبر أنّه كان توّاقًا إلى التّقوى والفضائل، وأنّه كان مواظبًا على الإشتراك في القدّاس اليوميّ؛ وما إن بلغ سنّ الرابعة عشرة أرسله المطران نازاريان إلى لبنان، وتحديدًا إلى دير سيّدة بزمّار في العام 1883.
بقِيَ شكرالله في بزمّار- لبنان طالبًا حوالى 5 سنوات حتّى سنة 1888. وبسبب المرض الذي ألَمّ به عاد إلى ماردين وبقي فيها حتّى سنة 1891. ثمّ عاد إلى لبنان والتحق بدير سيّدة بزمّار كطالب فلسفية ولاهوت حتّى سنة 1896، حيث سيم كاهنًا على مذبح الربّ ودُعِي باسم إغناطيوس، فاحتفل بقدّاسه الأوّل يوم عيد الربّ. بعد السّيامة الكهنوتيّة، بقي حوالى سنتين في بزمّار كمُرشد روحيّ، ثُمّ انتقل إلى مصر ليخدُم في رعايا الإسكندريّة والقاهرة ما يُقارب السّت سنوات، ثمّ عُيّن أمين سرّ بطريركيًّا في القسطنطينيّة. وانتقل عام 1910 إلى ماردين لمُساعدة أسقفها المُسِنّ فبقي هناك حوالى السنة. ودُعي من ثَمّ إلى السينودس الأرمنيّ الكاثوليكيّ المُنعقد في روما، بصفة أمين سرّ عامّ وكاتب. وخلال انعقاد المجمع رُقِّي الأب إغناطيوس إلى الدرجة الأسقفيّة بوضع يد البطريرك بولس بطرس الثالث عشر طرزيان، وصار رئيس أساقفة ماردين، لكنّه عاد إلى بزمّار- لبنان حيث بقي حتّى استلم كُرسيّه في ماردين أواخر عام 1912.
مع بداية شهر آب من سنة 1914، بدأت الحرب العالميّة الأولى، وبدأ الأسقف النّشيط يعمل على نصرة المقهورين.
في 20 نيسان 1915، نال وسامًا رفيعًا بعرفانٍ سلطانيّ، وبعد 10 أيّام دخل الجنود العُثمانيّون كنيسة الأرمن الكاثوليك ووضعوا أيديهم على سجلاّت المطرانيّة وعلى الوثائق الخاصّة بالأسقف مالويان.
وفي الأوّل من أيّار جمع الأسقف كهنته وسلّمهم وصيّته الروحيّة؛ وفي هذه الأثناء كانت الأخبار ترِده من هنا وهناك، ممّا يُعانيه أبناؤه الروحيّون من توقيفٍ واستجوابٍ وتعذيب.
وها الحادي عشر من حزيران 1915، يوم الاحتفال بعيد القلب الإلهيّ، رمزِ الحُبّ اللامحدود، يكون اليومَ الذي استُشهد فيه هذا الأسقف البطل بإيمانه ورجائه ومحبّته عن ستّ وأربعين سنة، مع 16 كاهنًا، وحوالى 401 مؤمن!
إنّنا عندما نُطالع قصّة استشهاد هذا الأسقف الشّجاع، نعود بالذّاكرة إلى كُتب تاريخ الكنسية، لنستعيد مشاهد الإستشهاد التي عانتها الكنيسة الأولى حتّى بداية القرن الرابع. وما الكلمات التي كان يتلفّظ بها هذا الحبر الشُّجاع ورِفاقه إلاّ صدى لصوت أولئك المسيحيّين الجبابرة الذين كانوا يقفون أمام الأباطرة والوُلاة والحُكّام، غير مُبالين لا بالفقر ولا بالنّفي ولا بالموت.
فلقد قال أحدهم: «عريانًا أتيتُ إلى هذا العالم، ويظهر بأنّي سأخرج منه بالطّريقة عينِها». وتابع: «للربّ الأرض وملؤها، فأينما رحلت سأجد الله الحاضر في كلّ مكان». فبالنّسبة للمسيحيّ «كلّ أرضٍ غريبة هي وطنٌ، وكلّ وطن هو أرض غريبة»، لأنّ الوطن الحقيقيّ هو السّماء. فالموت إذًا ربحٌ للمؤمن، لأنّ المسيح هو حياته (فل 1/21)، «وهو الفرصة أو بالأحرى الباب الذي ينقلنا من هذا العالم إلى دُنيا الأنوار».
إنّ الحبر إغناطيوس مالويان، يُعيد باستشهاده صورة إغناطيوس الانطاكيّ الذي كان يهتف: «إن كنتم تُحبّونني أتركوني أموت لأنّي أريد أن أحيا».
فضائله
لم يُزيّن الله الأسقف مالويان بالعِلم والثّقافة وحسب، بل بكلّ فضيلة ساهمت في أنسنة إنسانيّته، وكانت نورًا يُضيء أمام كلّ من التقى به.
كان يتكلّم ويكتب الأرمنيّة والتركيّة والعربيّة بالإضافة إلى الفرنسيّة والإنكليزيّة والإيطاليّة، ويمتاز بحُبّه للآداب، وثقافة فكره، وروحه الرسوليّة، وخدمته الكهنوتيّة، والحماسة، والإقناع في الخطب.
هذه الفضائل الإنسانيّة تكلّلت بالفضائل الإلهيّة: الإيمان والرّجاء والمحبّة، التي عاشها ببطولة، فحملته إلى مصافّ الطوباويّين، في 7/10/2001.
فإيمانه تجلّى في أبهى صورة يوم استشهاده؛ والذي حدث في تلك الأثناء يُعبّر خير تعبير عمّا أقول:
حدث أن اقترب إليه أحد جنود ممدوح بيك وقال له: الأوامر هي أن نُعذّبك ونُعذّب رفاقك، أقوالُك غير مُقنعة، بيد أنّنا في المُقابل، سنُخلّصك إذا ما قبلتَ بشروطنا وستحظى باحترامنا وتقديرنا. ليس عليكَ سوى المُجاهرة بالإسلام دينًا.
فأجابه الأسقف وقال: «أبدًا، أبدًا، هيهات أن أجحد وأخون الربّ يسوع مُخلّصي، وأُنكر تعاليم كنيستي الكاثوليكيّة التي تربّيت في حضنها، وأصبحتُ دون استحقاق، أحد رُعاتِها. أن يُسفك دمي في سبيل إيماني، ذلك من أعزّ أُمنيات قلبي، لأنّي على يقين بأنّي إذا ما تعذّبت وتألّمت من أجل ذاك الذي مات من أجلي، سأكون من هؤلاء السّعداء الذين سيُشاهدون الربّ الإله في أعالي السّماوات؛ أوسِعوني ضربًا بالبنادق والخناجر، قطِّعوني إربًا، فإنّي لن أُنكر إيماني المسيحيّ».
الرّجاء بالنّسبة إليه، كان بمثابة القوّة الخفيّة التي جعلته يُواجه الموت من دون خوف، فهذه العبارات التي نُقِلت عنه تؤكّد رجاءه بالحياة الأبديّة.
«إلهي… دعنا نتمتّع برؤية وجهك، فأنت العليّ القدير».
وها هو يقول لأبناء رعيّته: «تشجّعوا أيُّها الأبناء، إنّي أرى السّماء مفتوحة، وقريبًا سنكون فيها جميعًا».
ويُتابع: «أيّتها السّماء! سنحصل على مُكافأتنا… لا شيء في هذه الدّنيا يُعادل مُكافأتنا».
أمّا بالنّسبة إلى المحبّة، فمالويان هو تلميذ المحبّة ورسولها، هو من درس مع شعبه في مدرسة الصّليب، و«عرف محبّة الله لنا وآمن بها» (1 يو 4/16). هو من كان يتبع عن قرب من «أحبّنا وضحّى بنفسه من أجلنا» (غلا 2/20)، وتتلمذ لمن قال: «ما من حُبٍّ أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبّائه» (يو 15/13). وحبيب هذا الراعي الأمين هو الراعي الصالح يسوع المسيح.
وبما أنّ حبّ الله لا ينفصل أبدًا عن حُبّ البشر، فإنّ مالويان الأسقف الشّجاع والشّهيد العظيم، شهِد لإخوته الذين ائتمنه عليهم الربّ أنّ المحبّة أقوى وأعظم من أيّ شيء على الأرض وفي السّماء.
إنّ المحبّة التي سكبت في قلوبنا بفيض من روح الله، هي وحدها التي تبقى، فهي أساس وجودنا وهدف غايتنا. منها وإليها كلّنا. نعم إنّ المحبّة تجعلنا ننسى ما هو لنا لنُفكّر بما هو لغيرنا.
وما استشهاد هذا الطوباويّ يوم عيد القلب الإلهيّ، سوى دلالة على أنّ الحبّ لا يُكافأ إلاّ بالحبّ.
خاتمة
هذا الأسقف الشّهيد هو إبن الكنيسة الأرمنيّة المُحبّة للمسيح وأمّه، وما من عجب أن نسمعه يقول ذات يوم: «لنُسبّح دائمًا رحمة الله ونمجّدها، وكذلك طيبة السيّدة العذراء» (رسالة في 2 أيّار 1901).
منحنا الربّ جميعًا محبّة هذا الراعي الأمين، لنُحبّ المسيح وكنيسته إلى الأبد، آمين.
صلاة
أيّها الربّ يسوع، لقد أحبّكَ الطوباويّ المطران إغناطيوس مالويان حُبًّا جمًّا، فبذل نفسه قربانًا من أجل اسمِكَ القدّوس بالعذاب والاستشهاد في سبيل الكنيسة والوطن.
إمنحنا يا ربّ البركة بفضل شفاعة الطوباويّ إغناطيوس مالويان الذي نذر ذاته مُستشهِدًا على طريق الإيمان، وامنحنا (تُذكر النِّعمة والشّفاء المطلوبين) واجعلنا مؤهّلين أن نحذو حذوه، وننال روح القوّة والشّجاعة، ونكون مِثالاً للقِيَم المسيحيّة المُكلَّلة بالمجد الإلهيّ الممنوح للأبرار من أبناء الكنيسة. آمين.

اترك تعليقاً