هاشلِه بربارة

بقلم زينا خليل

لم تخلُ الكنيسة المسيحيّة من تألّق سَير أبنائها القدّيسين المؤمنين بالسّيد المسيح، فالإنسان القدّيس، حسب تعريف الكتاب المقدّس، هو الإنسان المخصّص للربّ
يقول الرسول بطرس في رسالته الأولى 1: 14 (كأولاد الطاعة لا تشاكلوا شهواتكم السابقة في جهالتكم بل نظير القدّوس الذي دعاكم كونوا أنتم قدّيسين في كلّ سيرة لأنّه مكتوب كونوا قدّيسين لأنّي أنا قدّوس). لذا فكلّ إنسان مدعوّ للقداسة ويمكن أن يصل إلى هذه الرتبة إن سار على درب الجلجلة بإيمانٍ راسخٍ وآمن بأنّ المخلّص هو الحقّ والحياة ونور العالم

وها هي القدّيسة بربارة التي ولدت من أبوين وثنيين وهم من الطبقة الأرستقراطية في قرية جاميس التابعة لمدينة ليئوبوليس بنيقوميدية في آسيا الصغرى (تركيا) في أوائل القرن الثالث تكرم على المذابح… وقد كان والدها ديسقورس شديد التمسك بالوثنية … اما القديسة بربارة فتلقنت العلوم من العالم أوريجانس المسيحي  وتعلق قلبها بالسيد يسوع المسيح فنذرت حياتها له، ونالت المعمودية دون أن تفاتح والدها ، وقررت أن تعيش بتولاً تكرس حياتها للعبادة… وحين أدرك والدها الأمر، جلَدها حتى سالت منها الدماء،  ثم مزق جسدها بمخارز مسنّنة بينما هي صامتة تصلّي

استشهدت القديسة بربارة في 4 كانون الأول 303 م، وجسدها موجود حاليًا في كنيسة تحمل اسمها في مصر القديمة. وقد رأى بعض المؤرخين انها استشهدت بهليوبوليس في مصر

ومنذ القِدَم جرت العادة في بلادنا الشرقية أن يحتفل المسيحيون بعيد القديسة بربارة. وينفرد لبنان بشكل خاص في يوم 3 كانون الأول من كل عام بتقاليد خاصة يتميز بها عن باقي البلدان حيث تبدأ الإحتفالات في ليلة 3 كانون الاول التي تضفي على هذا العيد رونقاً مميزاً…  فيخرج الكبار والصغار من بيوتهم مساءاً في أزياء تنكرية يختارها كل فرد على ذوقه… وبعد التنكر يطوفون على بيوت الجيران والاقارب والاصدقاء ويعيدونهم راقصين مبتهجين  ومنشدين أغنية ” هاشلي بربارة مع بنات الحارة عرفتا من عينيها ومن لمسة إيديها ومن هيك الإسوارة هاشلِه بربارة”، ويأخذون من بيوت الاقارب والجيران ” العيدية ” ( بعض من الحلوى والسكريات ) فأذا كانت سيدة المنزل كريمة يكملون الأغنية قائلين: ” أرغيلي فوق أرغيلي صاحبة البيت زنغيلي”، أما إذا كانت بخيلة فيخرجون من المنزل وملامح الغضب على وجوههم قائلين : أرغيلي فوق أرغيلي صاحبة البيت بخيلي

وقد جرت العادة أيضاً بأن تقوم ربات المنازل بصنع العوّامة الفويشات، ولهذه الحلوى دلالة دينية قديمة تعود الى القديسة بربارة وهي تدل على جسد القديسة الذي تناثر اشلاء كما تتناثر الفويشات في الزيت، إضافة الى القمح المسلوق المخلوط بالمكسرات الذي يرمز الى الابتهاج والفرح بانتصار هذه القديسة. وذلك لأن حبة القمح لا تُثمر ولا تأتي بسُنبلة إلا إذا ماتت . وكما قال السيّد المسيح ” إن لم تمت حبّة الحنطة فإنها تبقى وحدها ولكن إن ماتت تأتي بثمرٍ كثير”

اترك تعليقاً