الأحد الرابع للفصح

الخوري نسيم قسطون:

بعد قيامته، الربّ يسوع أوصي كلّ من تراءى لهم أن يشهدوا لقيامته أمام الآخرين…

بطرس مع يعقوب ويوحنا كانوا مرافقي يسوع الدائمين وقد شهدوا معظم ما قام به الربّ من الآيات وأصغوا إلى معظم خطبه وتعاليمه وساهموا في تحقّق معظم مطالبه، أثناء وجوده بينهم كمعلّم وقائد لهم.

ولكن، وفي موقف غريب ومتناقض مع ما أوصى به، نجد رأس الرّسل مع رسل آخرين قد عادوا ليستأنفوا حياتهم العاديّة كما كانت قبل أن يتعرّفوا إلى يسوع: صيد السمك!، كما يظهر من خلال إنجيل هذا الأحد (21: 1-14)!

موقفٌ غريب أكثر هو أنّهم، رغم كونهم خبراء في صيد السمك، عجزوا عن الصيد في المرحلة الأولى من النصّ.

لذا، وبمختصر، نقف اليوم أمام رسلٍ:

  • متخاذلين: فالمطلوب منهم أن يكونوا رسلاً قبل أيّ إعتبار آخر فيما هم عادوا يعملون للقوت الفاني بدل القوت الباقي، أي عكس وصيّة الربّ يسوع (راجع يوحنا 6: 27: “إِعْمَلُوا، لا لِلطَّعَامِ الفَانِي، بَلْ لِلطَّعَامِ البَاقِي لِحَيَاةٍ أَبَدِيَّة”).
  • مخذولين: لقد فقدوا مهارتهم في مهنتهم الأساسيّة وأمضوا ليلهم من دون أيّة فائدةٍ تذكر… وما أصعب أن يصبح الخبير عاجزًا في حقل خبرته!

 

 

نواجه في حياتنا كثيرًا من المواقف الصعبة والمستحيلة أحيانًا، تشابه موقف الرّسل اليوم.

نشعر بأنّ الأبواب موصدة وبأنّ لا حلول ممكنة!

هذا العجز نابعٌ من استسلامنا لليأس أو لقناعتنا الذاتيّة بضعفنا المستند إلى وهم عدم القدرة!

رغم ذلك، يظهر من خلال نصّ اليوم، الفارق بين موقف الإنسان وموقف الله الّذي لا يتوقّف عن المبادرة تجاه الإنسان ليعيد إليه الرّجاء والأمل المفقودين أو المعطَّلين، إن تجاوب الإنسان بملء إرادته مع مبادرة الله الّذي لا يفرض ذاته علينا!

يدعونا الربّ إلى إعادة المحاولة والبحث حولنا…

لم يأمر الربّ السمك بأن يقفز من البحر… ولم يأمر الشباك بأن تتحرّك من تلقاء ذاتها…

بل طلب إلى الرّسل أن يبادروا ويلقوا الشبك مرّةً أخرى…

قد يقول أحدهم: لقد نقلوا الشباك من ناحية إلى أخرى… ولكنّ البحيرة واحدة ومياهها واحدة!

جلّ ما في الأمر أن الربّ شجّعهم كي لا يستسلموا وأن يعاودوا المجهود من جديد!

هذا درسٌ لنا جميعًا كي لا نستسلم أو نيأس مهما صادفنا من صعاب… فقد يأتي إستسلامنا قبل الوصول إلى الهدف بخطوات قليلة!

مع الربّ لا جدران موصدة… ولا أقفال محكمة…

كلّ ما يتطلّبه الأمر هو الجرأة والمثابرة على الرّسالة والشهادة للربّ ولو لم نتوصّل إلى نتيجة آنية…

فالحصاد سيأتي ولو متأخّرًا إن كان ما نسعى إليه متوافقًا مع مشيئة الربّ وإرادته!

نرى الربّ اليوم يفيض على الرّسل بكلّ خيرات البحيرة وحتّى العالم إذ اعتبر المفسّرون أنّ العدد 153 هو كلّ أنواع السمك العروفة في حينه ورأوا فيها دلالة على دعوة الرّسل الشاملة لاصطياد كلّ الناس إلى ملكوت الله!

كبارنا دوماً ردّدوا: “الله كريم”، وهو ما لا نستوعب أهميّته احياناً في مجتمع ماديّ أكثر فأكثر…

إنجيل اليوم يدعونا إلى تقدير النِعَم التي لدينا بدل التباكي على ما نطمع به، كما إنّه يلخّص دعوة الربّ إلى الرّجاء على الدّوام!

 

اترك تعليقاً