الرّاعي ترأّس قدّاسًا احتفالًا بيوبيل المونسنيور كيروز

ترأّس البطريرك المارونيّ الكاردينال مار بشارة بطرس الرّاعي قدّاسًا احتفاليًّا في كنيسة السّيّدة في بشرّي، لمناسبة مرور ستّين عامًا على خدمة المونسنيور فيكتور كيروز الكهنوتيّة واليوبيل الخامس والعشرين لراهبات القدّيسة تريزا المقيمات في بشرّي، عاونه فيهالمطارنة بولس الصّياح وجوزيف نفّاع وسمير مظلوم والمونسنيور فيكتور كيروز والمونسنيور يوسف فخري، الخوري بيار سكّر والخوري شربل مخلوف، وبمشاركة المطران بولس غي نجيم وحشد من كهنة نيابة الجبة البطريركيّة. وبعد تلاوة الإنجيل المقدّس، ألقى الرّاعي بعنوان “كنت محتاجًا فساعدتموني” (راجع متى 25: 34-36)، جاء فيها:

“1. يتماهى الرّبّ يسوع مع كلّ محتاج: أكان جائعًا أو عطشانًا أو غريبًا أو عريانًا أو مريضًا أو سجينًا. وأكّد أنّ المساعدة لهؤلاء هي له: “كلّ مرّة فعلتم ذلك مع أحد إخوتي هؤلاء الصّغار، فلي فعلتموه” (متّى 25: 40).

ينطبق هذا الإنجيل على صاحبي اليوبيلين اللّذين يجمعاننا: يوبيل السّتين سنة كهنوتيّة لعزيزنا المونسنيور فيكتور كيروز؛ ويوبيل خمس وعشرين سنة من خدمة المحبّة لأفقر الفقراء للرّاهبات مرسلات المحبّة، بنات القدّيسة تريزا دي كلكوتا، في بشرّي العزيزة والبلدات المجاورة.

فإنّنا نقيم ذبيحة الشّكر لله معهم على جميع النّعم والبركات التي أغدقها طيلة خدمة المونسنيور فيكتور في لبنان (4 سنوات) والولايات المتّحدة الأميريكيّة (منذ 56 سنة)، وعلى ثمار المحبّة التي عاشتها وشهدت لها الرّاهبات مرسلات المحبّة. تبتهج بشرّي وأهلها مع صاحبي، اليوبيل حافظين لهما الجميل.

2. حدّد الرّبّ يسوع في نصّ الإنجيل الذي سمعناه، حالات العوز عند النّاس بستّ. ليست محصورة بالعوز الماديّ والجسديّ، بل تشمل أيضًا الرّوحيّ والأخلاقيّ والثّقافيّ. ما يعني أنّ مساعدة الإنسان تقتضي الشّموليّة وتلبية كلّ أبعاد شخصيّته.

فالجائع يجوع إلى خبز وطعام، وأيضًا إلى كلمة الله والعلم. العطشان يعطش إلى ماء وأيضًا إلى عدالة وإنصاف وكلمة حقّ، وإلى غفران ومصالحة. الغريب غريبٌ عن وطنه ومحيطه، وأيضًا الغريب عن ذاته، وعن أهل بيته، والعائش في غربة نفسيّة وعاطفيّة في قلب عائلته ومجتمعه.

العريان هو المحتاج لثوب ولباس، وهو أيضًا الّذي يعرّى من كرامته وحُسن صيته بالنّميمة والسّخرية والتّجنّي والافتراء والكلام الكاذب عنه. المريض مريض في جسده وأعصابه وعقله وهو أيضًا المريض في انحرافاته من نوع الانحرافات الجنسيّة والإدمان على السّكّر والمخدّرات ولعب القمار. السّجين هو سجين الأسر وراء القضبان، وأيضًا أسيرُ شهواته ونزواته، وأسيرُ مواقفه وآرائه، وفاقدُ إرادته وقدرته على التّميّيز لاستعباده لأشخاص وإيديولوجيّات ومصالح رخيصة، ولا يُميّز معها بين الخير والشّرّ، وبين العدل والظّلم، وبين الحقّ والباطل.

هذه حالات يمرّ فيها أو في بعضها كلُّ كبير وصغير، والمحتاج هو في حالته من “إخوة يسوع الصّغار” (متّى 35: 40). ومدعوّ ليستحضر المسيح في حالته وألمه، ويعطيها من آلام المسيح قيمةً خلاصيّة وبُعدَ فداء، على مثال بولس الرّسول: “إنّي أتمّ في جسدي ما نقص من آلام المسيح” (كول 1: 24). وفي الوقت عينه هو، في حالته الإيجابيّة، من المدعوّين لمساعدة غيره من هؤلاء “الإخوة”، مكرِّمًا فيهم شخصَ المسيح وآلام الفداء الجارية فيهم.

3. وقع كلام الإنجيل في صميم قلب الأمّ تريزا فانطلقت تخدم وتعتني بأفقر الفقراء ماديًّا بحبّ وتفانٍ وصلاة. فأغنتهم روحيًّا ومعنويًّا وردّت لهم كرامتهم الإنسانيّة كأبناء وبنات لله. نقلت الأمّ تريزا هذا الإرث إلى أخواتها الرّاهبات مرسلات المحبّة. فتواجدن في العديد من البلدان لخدمة “أفقر الفقراء”. وشاءت العناية الإلهيّة أن تكون “مرسلات المحبّة”، بنات الأمّ تريزا، بيننا في بشرّي العزيزة والبلدات العزيزة المجاورة. وقد إتّخذن مركزًا باسم “بيت الفرح” هو أصلًا بيت الشّهيد النّقيب في الجيش فخر فخر الذّي استشهد في 8 أيلول 1989 في أوّل يوم من “حرب التّحرير”. وقد أوقفه والداه المرحومان أنطوان فخر وأنطوانيت قيصر كيروز “لمرسلات المحبّة” بنات الأمّ تريزا، في 22 كانون الأوّل 1997. قال أحدهم مرّة للأمّ تريزا: “إنّ ما تفعلين في خضمّ عالم الفقراء الكبير كمن يزيد نقطة ماء على مياه الأقيانوس”. فأجابت: “لولا هذه النّقطة، لنقص الأقيانوس نقطة!” ما يعني أنّ على الإنسان أن يصنع الخير حيث يعيش، ولو اعتنى بفقير أو محتاج واحد. وذلك مثل الحفنة من الملح التي تصلح الطّعام، أو مثل نور شمعة يكسر الظّلام في الدّار. جواب الأمّ تريزا يدين التّهرّب من المسؤوليّة، وتبرير عدم المساعدة.

4. ووقع أيضًا كلام الإنجيل في صميم قلب عزيزنا المونسنيور فيكتور كيروز فاتصّف بالمشاعر الإنسانيّة والحنان والإنحناء على كلّ محتاج. هذه المشاعر أنسنت كهنوته طيلة السّتّين سنة التي يحتفل بيوبيلها اليوم. فكان هو هو صاحب القلب المحبّ والمفطور على صنع الخير مع كلّ محتاج وجده على طريقه في لبنان أوّلًا ثمّ في الولايات المتّحدة الأميريكيّة. فكان كلّ مال يصل إلى يده لقاء خدمته الكهنوتيّة يصرفه في عمل الخير بسخاء وحبّ طابعًا شخصيّته في فرح العطاء بدون مقابل.

فلمّا رأى في بداية حياته الكهنوتيّة حاجة شبيبة بشرّي إلى نادٍ يجمعهم ويؤمّن لهم مجالات الممارسة الرّياضيّة، أسّس النّادي الثّقافيّ الرّياضيّ وسخا عليه من وقته وذات يده. ولـمّا رأى أهالي بشرّي والمنطقة بدون مستشفى يلبّي الحاجات الطّارئة وسواها بنى على نفقته مستشفى مار يوحنّا الطّبّيّ. وبفضل حسّه الإنسانيّ والرّوحيّ والرّاعويّ شجّع شقيقته أنطوانيت وزوجها أنطوان والدي الشّهيد النّقيب فخر على المضيّ في تنفيذ قرارهما بوقف بيت إبنهما بطبقاته الثّلاث ليكون مركزًا “للرّاهبات مرسلات المحبّة”. فتولّى المونسنيور فيكتور مراسلة السّلطة الرّهبانيّة وإقناعها بتأسيس مركز في بشرّي. وكم كانت الفرحة كبيرة وشاملة عندما لبّين الطّلب.

5. فكم تمجّد “الله محبّة” (1يو 4: 18 ) ويتمجّد بكلّ أعمال المحبّة التي قامت وتقوم بها عزيزاتنا “الرّاهبات مرسلات المحبّة” طيلة هذه الخمس وعشرين سنة! وبكلّ أعمال المحبّة التي قام ويقوم بها عزيزنا المونسنيور فيكتور كيروز طيلة هذه السّتين سنة كهنوتيّة! والله يتمجّد بالقلوب المنفتحة عليه ليملأها من مشاعر الحبّ والعطاء. وقّانا الله من القلوب الملآنة كبرياء وأنانيّة وبغضًا.

فإنّا إذ نقدّم لهم التّهاني القلبيّة المقرونة بالشّكر الكبير، نعرب عن أطيب التّمنيات بفيض نعم الله وبركاته. فنتمنّى للأخوات الرّاهبات “مرسلات المحبّة” أن ينعمن بمحبّة الله وبالفرح في رسالتهنّ، ولجمعيّتهنّ دوام النّموّ والإزدهار. كما نتمنّى لعزيزنا المونسنيور فيكتور العمر الطويل مع مزيد من القوّة والحبّ، لكي يواصل خدمته الكهنوتيّة لسنين عديدة.

هذه التّهاني والتّمنيّات نودعها بين قرابين هذه الذّبيحة المقدّسة، راجين أن تكون ذبيحة شكر واستغفار وانطلاقًا من جديد. ونرفع معًا نشيد المجد والتّسبيح للثّالوث القدّوس، الآب والإبن والرّوح القدس الآن وإلى الأبد، آمين.”

اترك تعليقاً