د. سلمى عبدالله لموقع : شرقنا:” البداية، تبدأ من الذات، من اللغة”…

“إنّ البداية يجب أن تبدأ من الذّات، من اللّغة”… بهذه العبارة أكدت الدكتورة سلمى عبدالله لموقع شرقنا أهمية إقامة مؤتمر للغة العربية في جامعة سيدة اللويزة  كونها من أعرق لغات العالم الحية فهي تجسد الهوية والحضارة والأصالة والإنتماء….

 

-ما هي خصائص اللّغة العربيّة؟

إنَّ اللّغة العربيّة هي واحدة منْ أعرق لغات العالم الحيّة تراثًا، إنْ لم تكن أعرقها وأكثرها أصالة، وأطولَها عُمرا. وهي، عالميًّا، خامس لغةٍ بحسب عدد النّاطقين بها. ومن أبرز ما قد يميّزها غناها وجمالها وبلاغتها وفصاحتها المضبوطة ضمن قواعد واضحة ومنطقيّة، غير اعتباطيّة أو عشوائيّة… هي الهويّة والحضارة والأصالة والانتماء…

 

-ما هي أهمّيّة عقد مؤتمر للّغة العربيّة في جامعة سيّدة اللّويزة؟

 إنّ أهمّيّة عقد مؤتمر للّغة العربيّة في جامعة سيّدة اللّويزة، هو ترجمة صادقة للرّؤية الّتي تتبنّاها هذه الجامعة. وهي الحفاظ على التّراث والأصالة، والقيام بالدّور المفترض لكلّ جامعة، وهو تطوير المجتمع وإحداث نهضة فيه. والنّهضة اللّغويّة قد تكون من أهمّ هذه النّهضات القادرة على التّغيير، لأنّ ارتباطها بالإنسان هو ارتباط وثيق. وهل هناك ما هو أهمّ من بناء الإنسان وتعزيز إنسانيّته وتحفيزه على الافتخار بذاته الأصيلة الّتي تشكّل اللّغة جزءًا لا يتجزّأ منها، والانطلاق به نحو آفاق مستقبليّة متجدّدة ومتطوّرة، إنّما غير منفصلة عن تاريخه وتراثه؟…

-هل اللّغة العربيّة هي لغة الابتكار والتّجدّد؟

 طبعًا، هي، كسائر اللّغات، لغة الابتكار والتّجدّد، وقد تتميّز عن سواها بما لديها من قدرة على الاشتقاق…لكن هل تتجدّد من دون أن يجدّدها أهلها؟ إنّ هذه المسؤوليّة تقع على عاتق الإنسان النّاطق بهذه اللّغة. عليه أن يعمل أوّلًا على تجديد ذهنه وفكره ومعتقده ورؤاه واستراتيجيّاته الحياتيّة، لأنّ التّعاطي مع اللّغة هو أداء حياتيّ… عليه العمل على تجديد ذاته وكيانه، والسّعي لعدم استجداء الآخر في كلّ شيء، والاتّكال عليه في كلّ تفاصيل حياته… عليه أن يؤمن بضرورة التّطوّر، فيتطوّر ويطوّر وينجز ويبتكر ويحضر في ركب الحضارة الجديدة، بكلّ ما فيها من تحدّيات وتطلّعات… ولغته حتمًا ستلحق به، لأنّ اللّغة من الإنسان وإليه، فإن عاش عاشت، وإن مات ماتت…

في ظلّ التّطوّر الحاصل في مختلف النّواحي، ما هي الإجراءات الّتي يجب اتّخاذها للمحافظة على هذه اللّغة، وللاستمرار في تعليمها بشكل دائم في المدارس والجامعات؟

هناك خطوات كثيرة يمكن اتّخاذها في هذا الإطار، ومنها:

-افتخارنا بلغتنا العربيّة وإيماننا بها وبقدراتها… والعمل على إعادتها إلى محور الحياة، وبخاصّة الثّقافيّة.

-نشر الوعي بين ناس هذه اللّغة، أكانوا عاديّين أو تربويّين أو مسؤولين على ضرورة احترام هذه اللّغة، وإعادتها إلى مركز الصّدارة في الحياة اليوميّة والأكاديميّة والعمليّة…

-إيجاد لجان ومجامع لغويّة تعمل على تطوير هذه اللّغة لتحاكي عالم اليوم بما فيه من تطوّر وتكنولوجيا وتطلّعات واهتمامات…

-العمل على تنظيم مؤتمرات وورش عمل دائمة تسعى لتطوير المقاربات التّعليميّة لهذه اللّغة، ولإحيائها، بغية تقريبها من المتعلّمين، وتحفيزهم على تعلّمها، والتّمتّع بميزاتها وجماليّاتها…وللجامعات دور بارز وأساسيّ في هذا المجال.

-تفعيل المقاربات النّقديّة للنّتاج الأدبيّ واللّغويّ والأكاديميّ، كي يكون محاكيًا للمواصفات المطلوبة، ومؤدّيًا دوره كما يجب، وعاملًا محمّسًا على المطالعة بالعربيّة، لما لهذا الأمر من دور في تعزيز حضور هذه اللّغة في حياة متعلّميها والنّاطقين بها…

برأيك، هل نفتقر في لبنان، إلى قصص للأطفال والمراهقين باللّغة العربيّة تحاكي واقعنا ؟

في لبنان، كما في العالم العربيّ، نحن نفتقر إلى قصص للأطفال باللّغة العربيّة تحاكي واقعنا، بمختلف حاجاته وتطلّعاته. والسّبب الرّئيس في هذا هو عدم وجود الدّراسات الجدّيّة في هذا الإطار.إذ يمكن لأيّ مقرَّب من دار نشر أن يكتب للطّفل أيّ كلام. فدور النّشر قد يبدو معظمها بعيدًا عن التّخصّص والدّقّة والجدّيّة وعن الرّؤى السّاعية إلى بناء الإنسان وتوسيع آفاق تفكيره وتمكين سمات مهمّة في حياته كالتّمسّك بالقضايا الإنسانيّة المعاصرة والجديدة كالحريّة والانتماء والتّميّز والفرادة وعدم التّبعيّة والرّحمة والسّلام…

وهل الأجيال الصّاعدة تهتمّ لهذه اللّغة الّتي تعتبر صعبة ومعقّدة؟

لن تهتمّ الأجيال الصّاعدة بهذه اللّغة طالما أن إيديولوجيّات هذه الأجيال ما زالت خاطئة وموجّهة في الاتّجاه غير الصّائب… طالما أنّ المسؤولين عن هذا الواقع من تربويّين وأكاديميّين ومؤلّفين ومثقّفين وسياسيّين وغيرهم الكثير ما زالوا متخبّطين غير واعين فداحة ما وصل إليه مجتمعنا وما تعيشه أجيالنا… طالما أنّ الرّؤى الصّحيحة معدومة والبوصلة إلى الطّريق القويم ضائعة…

 إنّنا مجتمعات قد فقدت الهويّة. فهل يُنتظر ممّن تاه عن ذاته، وفقد ثقته بكفاءته وقدراته، أن يأتي بما يصلحها ويصوّب مسارها؟… لا أعتقد… إنّ البداية يجب أن تبدأ من الذّات، من اللّغة… على وزارات الثّقافة والتّربية والإعلام أن تؤدّي دورًا فاعلًا في هذا الإطار…

اترك تعليقاً