قلعة تبنين: قراءة تاريخيّة ومعماريّة في أحد أهمّ المعالم الأثريّة الجنوبيّة

You are currently viewing قلعة تبنين: قراءة تاريخيّة ومعماريّة في أحد أهمّ المعالم الأثريّة الجنوبيّة

تُعدّ قلعة تبنين الأثريّة، المعروفة أيضًا باسم قلعة تيرون (طورون)، من أبرز الحصون التاريخيّة في جنوب لبنان. شُيّدت على قمّة جبل يتوسّط البلدة، ما منحها موقعًا استراتيجيًا يُشرف على مساحات واسعة من القرى المجاورة، ويُمكّن من رؤية أجزاء من الأراضي الفلسطينيّة بوضوح.

تختلف الروايات بشأن تاريخ بنائها الأول؛ إذ يرجّح عدد من الباحثين أنّ الفينيقيّين هم أوّل من أسّسها، بينما يرى مؤرّخون آخرون أنّها شُيّدت خلال العصر الآرامي في منتصف القرن التاسع قبل الميلاد، بأمر حزائيل بن جداد. وقد تعرّضت القلعة للدمار سنة 680 ق.م في عهد الملك الآشوري سنحاريب، قبل أن يحاصرها نبوخذ نصّر الكلداني سنة 582 ق.م أثناء تقدّم قواته نحو مدينة صور.

أُعيد ترميم القلعة في العصر الروماني، ثمّ أعاد الصليبيّون تجديدها لاحقًا. وقد أشار المؤرّخ وليم الصوري، رئيس أساقفة صور في العصر الصليبي، إلى أنّ مجدّد بنائها في تلك الحقبة هو هوغ دي سان أومير (أو الأمير هيو فالكنبرغ)، حاكم طبريّا والجليل، وذلك سنة 1104. وقد خُصّصت القلعة آنذاك لصدّ التمدّد الفاطمي ومنع تقدّمهم نحو مناطق النفوذ الفرنجي، فضلًا عن استخدامها قاعدة هجوميّة باتجاه مدينة صور الفاطميّة.

وعلى مرّ العصور، أدخل المماليك ثمّ العثمانيّون وأمراء الإقطاع تعديلات عدّة على مخطط القلعة وهندستها وزخارفها. ويُنسب آخر تجديد شامل لها إلى آل علي الصغير، حكّام جبل عامل. ويتألّف بناؤها الحالي من أربع طبقات سفليّتها هي الأقدم، وتضمّ عشرة أبراج أبرزها البرج الغربي المطلّ على وادي السلطانيّة، المعروف باسم برج أبي حمد.

ومن اللافت أنّ مدخل القلعة كان يحرسه أسدان رخاميّان وُجدا في الموقع حتى أواخر سنة 1921. وتُعدّ هذه المنحوتات مصدرًا للغموض، إذ لا يمكن نسبتها بدقّة لأيٍّ من الحضارات التي تعاقبت على القلعة. وقد فُقد هذان الأسدان لاحقًا، ويُرجَّح أنّ سكّانًا محليّين نقلوهما وباعوهما.

تُجسّد قلعة تبنين اليوم ذاكرة معماريّة وتاريخيّة غنيّة، تجمع بين إرث الحضارات المتعاقبة وتمازج عناصرها العسكريّة والدفاعيّة، لتبقى شاهدًا على حقبات متبدّلة من تاريخ المنطقة.

اترك تعليقاً